وروي أنهم حين هموا بإحراقه حبسوه ثم بنوا بيتا كالحظيرة بكوثى واختلفوا في عدة حبسه وفي عرض الحظيرة وطولها ، ومدة جمع الحطب ، ومدة الإيقاد ، ومدة سنة إذ ذاك ، ومدة إقامته في النار وكيفية ما صارت أماكن النار اختلافا متعارضا تركنا ذكره واتخذوا منجنيقا. قيل : بتعليم إبليس إذ كان لم يصنع قبل فشد إبراهيم رباطا ووضع في كفة المنجنيق ورمى به فوقع في النار. وروي أن جبريل عليهالسلام جاءه وهو في الهواء فقال : ألك حاجة؟ فقال : أما إليك فلا ، وذكر المفسرون أشياء صدرت من الوزغ والبغل والخطاف والضفدع والعضرفوط الله أعلم بذلك. وعن ابن عباس : إنما نجا بقوله حسبي الله ونعم الوكيل. قيل : وأطل نمروذ من الصرح فإذا إبراهيم في روضة ومعه جليس له من الملائكة فقال إني مقرب إلى آلهك فذبح أربعة آلاف بقرة. وكف عن ابراهيم ، وكان إبراهيم إذ ذاك ابن ست عشرة سنة ، وقد أكثر الناس في حكاية ما جرى لإبراهيم والذي صح هو ما ذكره تعالى من أنه ألقي في النار فجعلها الله عليه (بَرْداً وَسَلاماً) وخرج منها سالما فكانت أعظم آية والظاهر أن القائل (قُلْنا يا نارُ) هو الله تعالى. وقيل : جبريل عليهالسلام بأمر الله تعالى. وعن ابن عباس : لو لم يقل : (وَسَلاماً) لهلك إبراهيم من البرد ، ولو لم يقل على إبراهيم لما أحرقت نار بعدها ولا اتقدت انتهى. ومعنى (وَسَلاماً) سلامة ، وأبعد من ذهب إلى أنها هنا تحية من الله ولو كانت تحية لكان الرفع أولى بها من النصب. والمعنى ذات برد وسلام فبولغ في ذلك كان ذاتها برد وسلام ، ولما كانت النار تنفعل لما أراده الله منها كما ينفعل من يعقل عبر عن ذلك بالقول لها والنداء والأمر.
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف بردت النار وهي نار؟ قلت : نزع الله عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحر والإحراق وأبقاها على الإضاءة والإشراق والاشتعال ، كما كانت والله على كل شيء قدير ، ويجوز أن يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم أدنى حرها ويذيقه فيها عكس ذلك كما يفعل بخزنة جهنم ، ويدل عليه قوله (عَلى إِبْراهِيمَ) انتهى.
وروي أنهم قالوا هي نار مسجورة لا تحرق فرموا فيها شيخا منهم فاحترق وأرادوا به كيدا. قيل : هو إلقاؤه في النار (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) أي المبالغين في الخسران وهو إبطال ما راموه جادلوا إبراهيم فجدلهم وبكّتهم وأظهر لهم وأقر عقولهم ، وتقووا عليه بالأخذ والإلقاء فخلصه الله. وقيل : سلط عليهم ما هو من أحقر خلقه وأضعفه وهو البعوض يأكل من لحومهم ويشرب من دمائهم ، وسلط الله على نمروذ بعوضة واختلف في كيفية إذايتها له وفي مدة إقامتها تؤذيه إلى أن مات منها.