والضمير في (وَنَجَّيْناهُ) عائد على إبراهيم وضمن معنى أخرجناه بنجاتنا إلى الأرض ولذلك تعدى (نَجَّيْناهُ) بإلى ويحتمل أن يكون (إِلَى) متعلقا بمحذوف أي منتهيا (إِلَى الْأَرْضِ) فيكون في موضع الحال ، ولا تضمين في (وَنَجَّيْناهُ) على هذا و (الْأَرْضِ) التي خرجا منها هي كوثى من أرض العراق ، والأرض التي صار إليها هي أرض الشام وبركتها ما فيها من الخصب والأشجار والأنهار وبعث أكثر الأنبياء منها. وقيل : مكة قاله ابن عباس ، كما قال (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ) (١) الآية. وقيل أرض مصر وبركتها نيلها وزكاة زروعها وعمارة مواضعها.
وروي أن ابراهيم خرج مهاجرا إلى ربه ومعه لوط وكان ابن أخيه ، فآمنت به سارة وهي ابنة عمه فأخرجها معه فارّا بدينه ، وفي هذه الخرجة لقي الجبار الذي رام أخذها منه فنزل حران ومكث زمانا بها. وقيل : سارة ابنة ملك حرّان تزوجها إبراهيم وشرط عليه أبوها أن لا يغيرها ، والصحيح أنها ابنة عمه هاران الأكبر ، ثم قدم مصر ثم خرج منها إلى الشام فنزل السبع من أرض فلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة على مسيرة يوم وليلة من السبع أو أقرب فبعثه الله نبيا. والنافلة العطية قاله مجاهد وعطاء أو الزيادة كالمتطوع به إذا كان إسحاق ثمرة دعائه رب هب لي من الصالحين ، وكان (يَعْقُوبَ) زيادة من غير دعاء. وقيل : النافلة ولد الولد فعلى الأول يكون مصدرا كالعاقبة والعافية وهو من غير لفظ (وَهَبْنا) بل من معناه ، وعلى الآخرين يراد به (يَعْقُوبَ) فينتصب على الحال ، و (كُلًّا) يشمل من ذكر إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب.
(يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) يرشدون الناس إلى الدين. و (أَئِمَّةً) قدوة لغيرهم. (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ) أي خصصناهم بشرف النبوة لأن الإيحاء هو التنبئة. قال الزمخشري : (فِعْلَ الْخَيْراتِ) أصله أن يفعل (فِعْلَ الْخَيْراتِ) ثم فعلا الخيرات وكذلك (إِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) انتهى. وكان الزمخشري لما رأى أن (فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) ليس من الأحكام المختصة بالموحى إليهم بل هم وغيرهم في ذلك مشتركون ، بني الفعل للمفعول حتى لا يكون المصدر مضافا من حيث المعنى إلى ضمير الموحى ، فلا يكون التقدير فعلهم الخيرات وإقامهم الصلاة وإيتاؤهم الزكاة ، ولا يلزم ذلك إذ الفاعل مع المصدر محذوف ، ويجوز أن يكون مضافا من حيث
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٩٦.