المعنى إلى ظاهر محذوف يشمل الموحى إليهم وغيرهم ، أي فعل المكلفين الخيرات ، ويجوز أن يكون ذلك مضافا إلى الموحى إليهم أي أن يفعلوا الخيرات ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، وإذا كانوا قد أوحي إليهم ذلك فأتباعهم جارون مجراهم في ذلك ولا يلزم اختصاصهم به ثم اعتقاد بناء المصدر للمفعول الذي لم يسم فاعله مختلف فيه أجاز ذلك الأخفش والصحيح منعه ، فليس ما اختاره الزمخشري مختارا.
وقال ابن عطية : والإقام مصدر وفي هذا نظر انتهى. وأي نظر في هذا وقد نص سيبويه على أنه مصدر بمعنى الإقامة ، وإن كان الأكثر الإقامة بالتاء وهو المقيس في مصدر أفعل إذا اعتلت عينه وحسن ذلك هنا أنه قابل (وَإِيتاءَ) وهو بغير تاء فتقع الموازنة بين قوله (وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) وقال الزجّاج : فحذفت الهاء من إقامة لأن الإضافة عوض عنها انتهى. وهذا قول الفراء زعم أن تاء التأنيث قد تحذف للإضافة وهو مذهب مرجوح.
ولما ذكر تعالى ما أنعم به على إبراهيم ذكر ما أنعم به على من هاجر معه فارّا بدينه وهو لوط ابن أخيه وانتصب (وَلُوطاً) على الاشتغال والحكم الذي أوتيه النبوة. وقيل : حسن الفصل بين الخصوم في القضاء. وقيل : حفظ صحف إبراهيم ، ولما ذكر الحكم ذكر ما يكون به وهو العلم و (الْقَرْيَةِ) سدوم وكانت قراهم سبعا وعبر عنها بالواحدة لاتفاق أهلها على الفاحشة ، وكانت من كورة فلسطين إلى حد السراة إلى حد نجد بالحجاز ، قلب منها تعالى ستا وأبقى منها زغر لأنها كانت محل لوط وأهله ومن آمن به أي (وَنَجَّيْناهُ مِنَ) أهل (الْقَرْيَةِ) أي خلصناه منهم أو من العذاب الذي حل بهم ، ونسب عمل (الْخَبائِثَ) إلى القرية مجازا وهو لأهلها وانتصب (الْخَبائِثَ) على معنى (تَعْمَلُ) الأعمال أو الفعلات الخبيثة وهي ما ذكره تعالى في غير هذه السورة مضافا إلى كفرهم بالله وتكذيبهم نبيه ، وقوله (إِنَّهُمْ) يدل على أن التقدير من أهل القرية (وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا) أي في أهل رحمتنا أو في الجنة ، سماها رحمة إذ كانت أثر الرحمة.
ولما ذكر تعالى قصة إبراهيم وهو أبو العرب وتنجيته من أعدائه ذكر قصة أبي العالم الإنسي كلهم وهو الأب الثاني لآدم لأنه ليس أحد من نسله من سام وحام ويافث ، وانتصب (نُوحاً) على إضمار اذكر أي واذكر (نُوحاً) أي قصته (إِذْ نادى) ومعنى نادى دعا مجملا بقوله (أَنِّي مَغْلُوبٌ) (١) فانتصر مفصلا بقوله (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٢) والكرب أقصى الغم والأخذ بالنفس ، وهو هنا الغرق عبر عنه بأول أحوال ما يأخذ
__________________
(١) سورة القمر : ٥٤ / ١٠.
(٢) سورة نوح : ٧١ / ٢٦.