الغريق ، وغرقت في بحر النيل ووصلت إلى قرار الأرض ولحقني من الغم والكرب ما أدركت أن نفسي صارت أصغر من البعوضة ، وهو أول أحوال مجيء الموت.
(وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) عداه بمن لتضمنه معنى (فَنَجَّيْناهُ) بنصرنا (مِنَ الْقَوْمِ) أو عصمناه ومنعناه أي من مكروه القوم لقوله (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا) (١) وقال الزمخشري : هو نصر الذي مطاوعه انتصر ، وسمعت هذليا يدعو على سارق : اللهم انصرهم منه أي اجعلهم منتصرين منه ، وهذا معنى في نصر غير المتبادر إلى الذهن. وقال أبو عبيدة (مِنَ) بمعنى على أي (وَنَصَرْناهُ) على (الْقَوْمِ فَأَغْرَقْناهُمْ) أي أهلكناهم بالغرق. و (أَجْمَعِينَ) تأكيد للضمير المنصوب. وقد كثر التوكيد بأجمعين غير تابع لكلهم في القرآن ، فكان ذلك حجة على ابن مالك في زعمه أن التأكيد بأجمعين قليل ، وأن الكثير استعماله تابعا لكلهم.
(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ) عطف على (وَنُوحاً). قال الزمخشري : و (إِذْ) بدل منهما انتهى. والأجود أن يكون التقدير واذكر (داوُدَ وَسُلَيْمانَ) أي قصتهما وحالهما (إِذْ يَحْكُمانِ) وجعل ابن عطية (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ) معطوفين على قوله (وَنُوحاً وَنُوحاً) معطوفا على قوله (وَلُوطاً) فيكون ذلك مشتركا في العامل الذي هو (آتَيْنا) المقدرة الناصبة للوط المفسرة بآتينا فالتقدير وآتينا نوحا وداود وسليمان أي آتيناهم (حُكْماً وَعِلْماً) ولا يبعد ذلك وتقدير اذكر قاله جماعة. وكان داود ملكا نبيا يحكم بين الناس فوقعت هذه النازلة ، وكان ابنه إذ ذاك قد كبر وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم وكانوا يدخلون إلى داود من باب آخر ، فتخاصم إليه رجل له زرع وقيل كرم و (الْحَرْثِ) يقال فيهما وهو في الزرع أكثر ، وأبعد عن الاستعارة دخلت حرثه غنم رجل فأفسدت عليه ، فرأى داود دفعها إلى صاحب الحرث فعلى أنه كرم رأى أن الغنم تقاوم ما أفسدت من الغلة وعلى أنه زرع رأى أنها تقاوم الحرث والغلة ، فخرجا على سليمان فشكى صاحب الغنم فجاء سليمان فقال : يا نبيّ الله إني أرى ما هو أرفق بالجميع ، أن يأخذ صاحب الغنم الحرث يقوم عليه ويصلحه حتى يعود كما كان ، ويأخذ صاحب الحرث الغنم في تلك المدة ينتفع بمرافقها من لبن وصوف ونسل ، فإذا عاد الحرث إلى حاله صرف كل مال صاحبه إليه فرجعت الغنم إلى ربها والحرث إلى ربه فقال داود : وفقت يا بني وقضى بينهما بذلك. والظاهر أن كلّا
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٢٩.