وقرأ الجمهور (حَصَبُ) بالحاء والصاد المهملتين ، وهو ما يحصب به أي يرمى به في نار جهنم. وقبل أن يرمي به لا يطلق عليه حصب إلا مجازا. وقرأ ابن السميفع وابن أبي عبلة ومحبوب وأبو حاتم عن ابن كثير بإسكان الصاد ، ورويت عن ابن عباس وهو مصدر يراد به المفعول أي المحصوب. وقرأ ابن عباس : بالضاد المعجمة المفتوحة وعنه إسكانها ، وبذلك قرأ كثير عزة : والحضب ما يرمى به في النار ، والمحضب العود أو الحديدة أو غيرهما مما تحرك به النار. قال الشاعر :
فلا تك في حربنا محضبا |
|
فتجعل قومك شتى شعوبا |
وقرأ أبي وعليّ وعائشة وابن الزبير وزيد بن علي حطب بالطاء ، وجمع الكفار مع معبوداتهم في النار لزيادة غمهم وحسرتهم برؤيتهم معهم فيها إذ عذبوا بسببهم ، وكانوا يرجون الخير بعبادتهم فحصل لهم الشر من قبلهم ولأنهم صاروا لهم أعداء ورؤية العدوّ مما يزيد في العذاب. كما قال الشاعر :
واحتمال الأذى ورؤية جابيه |
|
غذاء تضنى به الأجسام |
(أَنْتُمْ لَها) أي للنار (وارِدُونَ) الورود هنا ورود دخول (لَوْ كانَ هؤُلاءِ) أي الأصنام التي تبعدونها (آلِهَةً ما وَرَدُوها) أي ما دخلوها ودل على أنه ورود دخول قوله (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) وقرأ الجمهور (آلِهَةً) بالنصب على خبر (كانَ). وقرأ طلحة بالرفع على أن في (كانَ) ضمير الشأن (وَكُلٌّ فِيها) أي كل من العابدين ومعبوداتهم.
(لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) وهو صوت نفس المغموم يخرج من القلب ، والظاهر أن الزفير إنما يكون ممن تقوم به الحياة وهم العابدون والمعبودون ممن كان يدعي الإلهية كفرعون وكغلاة الإسماعيلية الذين كانوا ملوك مصر من بني عبيد الله أول ملوكهم ، ويجوز أن يجعل الله للأصنام التي عبدت حياة فيكون لها زفير. وقال الزمخشري : إذا كانوا هم وأصنامهم في قرن واحد جاز أن يقال لهم فيها إن لم يكن الزافرين إلّا وهم فيها (لا يَسْمَعُونَ) وروي عن ابن مسعود أنهم يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون وقال تعالى (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (١) وفي سماع الأشياء روح فمنع الله الكفار ذلك في النار. وقيل (لا يَسْمَعُونَ) ما يسرهم من كلام الزبانية.
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٧.