دون أحد ، وهذا الإيذان هو إعلام بما يحل بمن تولى من العقاب وغلبة الإسلام ، ولكني لا أدري متى يكون ذلك و (إِنْ) نافية و (أَدْرِي) معلقة والجملة الاستفهامية في موضع نصب بأدري ، وتأخر المستفهم عنه لكونه فاصلة إذ لو كان التركيب (أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ بَعِيدٌ) لم تكن فاصلة وكثيرا ما يرجح الحكم في الشيء لكونه فاصلة آخر آية. وعن ابن عامر في رواية (وَإِنْ أَدْرِي) بفتح الياء في الآيتين تشبيها بياء الإضافة لفظا ، وإن كانت لام الفعل ولا تفتح إلّا بعامل. وأنكر ابن مجاهد فتح هذه الياء والمعنى أنه تعالى لم يعلمني علمه ولم يطلعني عليه ، والله هو العالم الذي لا يخفى عليه شيء.
(وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ) أي لعل تأخير هذا الموعد امتحان لكم لننظر كيف تعملون ، أو يمتنع لكم إلى حين ليكون ذلك حجة وليقع الموعد في وقت هو حكمة ، ولعل هنا معلقه أيضا وجملة الترجي هي مصب الفعل ، والكوفيون يجرون لعل مجرى هل ، فكما يقع التعليق عن هل كذلك عن لعل ، ولا أعلم أحدا ذهب إلى أن لعل من أدوات التعليق وإن كان ذلك ظاهرا فيها كقوله (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (١) (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٢) وقيل (إِلى حِينٍ) إلى يوم القيامة. وقيل : إلى يوم بدر.
وقرأ الجمهور (قالَ رَبِ) أمرا بكسر الباء. وقرأ حفص قال وأبو جعفر رب بالضم. قال صاحب اللوامح : على أنه منادى مفرد وحذف حرف النداء فيما جاز أن يكون وصفا لأي بعيد بابه الشعر انتهى. وليس هذا من نداء النكرة المقبل عليها بل هذا من اللغات الجائزة في يا غلامي ، وهي أن تبنيه على الضم وأنت تنوي الإضافة لما قطعته عن الإضافة وأنت تريدها بنيته ، فمعنى (رَبِ) يا ربي. وقرأ الجمهور (احْكُمْ) على الأمر من حكم. وقرأ ابن عباس وعكرمة والجحدري وابن محيصن ربي بإسكان الياء أحكم جعله أفعل التفضيل فربي أحكم مبتدأ وخبر. وقرأت فرقة أحكم فعلا ماضيا. وقرأ الجمهور (تَصِفُونَ) بتاء الخطاب. وروي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قرأ على أبيّ على ما يصفون بياء الغيبة ، ورويت عن ابن عامر وعاصم.
__________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ١٧.
(٢) سورة عبس : ٨٠ / ٣.