وينشؤوا ويبلغوا حد التكليف فأكلفهم. ويعضد هذه القراءة قوله (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) انتهى.
وقرأ يحيى بن وثاب (ما نَشاءُ) بكسر النون والأجل المسمى مختلف فيه بحسب جنين جنين فساقط وكامل أمره خارج حيا ووحد (طِفْلاً) لأنه مصدر في الأصل قاله المبرد والطبري ، أو لأن الغرض الدلالة على الجنس ، أو لأن معنى يخرجكم كل واحد كقولك : الرجال يشبعهم رغيف أي يشبع كل واحد. وقال الزمخشري : الأشد كمال القوة والعقل والتمييز ، وهو من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد كالأشدة والقيود وغير ذلك وكأنها مشدة في غير شيء واحد فبنيت لذلك على لفظ الجمع انتهى.
وتقدم الكلام في الأشد ومقداره من الزمان. وإن من الناس من قال إنه جمع شدة كأنعم جمع نعمة وأما القيود : فعن أبي عمرو الشيباني إن واحدة قيد (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) وقرىء يتوفى بفتح الياء أي يستوفى أجله ، والجمهور بالضم أي بعد الأشد وقبل الهرم ، وهو (أَرْذَلِ الْعُمُرِ) والخرف ، فيصير إلى حالة الطفولية ضعيف البنية سخيف العقل ، ولا زمان لذلك محدود بل ذلك بحسب ما يقع في الناس وقد نرى من علت سنه وقارب المائة أو بلغها في غاية جودة الذهن والإدراك مع قوة ونشاط ، ونرى من هو في سن الاكتهال وقد ضعفت بنيته أوضح تعالى أنه قادر على إنهائه إلى حالة الخرف كما أنه كان قادرا على تدريجه إلى حالة التمام ، فكذلك هو قادر على إعادة الأجساد التي درجها في هذه المناقل وإنشائها النشأة الثانية.
و (لِكَيْلا) يتعلق بقوله (يُرَدُّ) قال الكلبي (لِكَيْلا) يعقل من بعد عقله الأول شيئا. وقيل (لِكَيْلا) يستفيد علما وينسى ما علمه. وقال الزمخشري : أي ليصير نسّاء بحيث إذا كسب علما في شيء لم ينشب أن ينساه ويزل عنه علمه حتى يسأل عنه من ساعته ، يقول لك من هذا؟ فتقول : فلان فما يلبث لحظة إلا سألك عنه. وروى عن أبي عمرو ونافع تسكين ميم (الْعُمُرِ).
(وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) هذا هو الدليل الثاني الذي تضمنته ، والدليل الأول الآية ، ولما كان الدليل الأول بعض مراتب الخلقة فيه غير مرتبين قال (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ) فلم يحل في جميع رتبه على الرؤية ، ولما كان هذا الدليل الثاني مشاهدا للأبصار أحال ذلك على الرؤية فقال (وَتَرَى) أيها السامع أو المجادل (الْأَرْضَ هامِدَةً)