هم الناس على الحقيقة وهم الصالحون والمتقون ، ويجوز أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب فعطفت كثير على كثير ثم ، عبر عنهم بحق عليهم العذاب كأنه قال وكثير من الناس حق عليهم العذاب انتهى. وهذان التخريجان ضعيفان.
وقرأ جناح بن حبيش وكبير حق بالباء. وقال ابن عطية (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) يحتمل أن يكون معطوفا على ما تقدم أي (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) يسجد أي كراهية وعلى رغمه إما بظله وإما بخضوعه عند المكاره ، ونحو ذلك قاله مجاهد وقال سجوده بظله. وقرىء (وَكَثِيرٌ) حقا أي حق عليهم العذاب حقا. وقرىء حق بضم الحاء ومن مفعول مقدم بيهن. وقرأ الجمهور (مِنْ مُكْرِمٍ) اسم فاعل. وقرأ ابن أبي عبلة بفتح الراء على المصدر أي من إكرام. قال الزمخشري : ومن أهانه الله كتب عليه الشقاوة لما سبق في علمه من كفره أو فسقه ، فقد بقي مهانا لمن يجد له مكرما أنه يفعل ما يشاء من الإكرام والإهانة ، ولا يشاء من ذلك إلّا ما يقتضيه عمل العاملين واعتقاد المعتقدين انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال.
ولما ذكر تعالى أهل السعادة وأهل الشقاوة ذكر ما دار بينهم من الخصومة في دينه ، فقال (هذانِ) قال قيس بن عباد وهلال بن يساف ، نزلت في المتبارزين يوم بدر حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث برز والعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة. وعن عليّ : أنا أول من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يديّ الله تعالى ، وأقسم أبو ذر على هذا ووقع في صحيح البخاري أن الآية فيهم. وقال ابن عباس : الإشارة إلى المؤمنين وأهل الكتاب وقع بينهم تخاصم ، قالت اليهود : نحن أقدم دينا منكم فنزلت. وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وعاصم والكلبي الإشارة إلى المؤمنين والكفار على العموم ، وخصم مصدر وأريد به هنا الفريق ، فلذلك جاء (اخْتَصَمُوا) مراعاة للمعنى إذ تحت كل خصم أفراد ، وفي رواية عن الكسائي (خَصْمانِ) بكسر الخاء ومعنى (فِي رَبِّهِمْ) في دين ربهم. وقرأ ابن أبي عبلة اختصما ، راعى لفظ التثنية ثم ذكر تعالى ما أعدّ للكفار.
وقرأ الزعفراني في اختياره : (قُطِّعَتْ) بتخفيف الطاء كأنه تعالى يقدر لهم نيرانا على مقادير جثثهم تشتمل عليهم كما تقطع الثياب الملبوسة ، والظاهر أن هذا المقطع لهم يكون من النار. وقال سعيد بن جبير (ثِيابٌ) من نحاس مذاب وليس شيء إذا حمي أشد حرارة منه ، فالتقدير من نحاس محمى بالنار. وقيل : الثياب من النار استعارة عن إحاطة النار بهم