كما يحيط الثوب بلابسه. وقال وهب : يكسى أهل النار والعري خير لهم ، ويحيون والموت خير لهم.
ولما ذكر ما يصب على رؤوسهم إذ يظهر في المعروف أن الثوب إنما يغطى به الجسد دون الرأس فذكر ما يصيب الرأس من العذاب. وعن ابن عباس : لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها ولما ذكر ما يعذب به الجسد ظاهره وما يصب على الرأس ذكر ما يصل إلى باطن المعذب وهو الحميم الذي يذيب ما في البطن من الحشا ويصل ذلك الذوب إلى الظاهر وهو الجلد فيؤثر في الظاهر تأثيره في الباطن كما قال تعالى (فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (١) وقرأ الحسن وفرقة (يُصْهَرُ) بفتح الصاد وتشديد الهاء. وفي الحديث : «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلب ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان». والظاهر عطف (وَالْجُلُودُ) على (ما) من قوله (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) وأن (الْجُلُودُ) تذاب كما تذاب الأحشاء. وقيل : التقدير وتخرق (الْجُلُودُ) لأن الجلود لا تذاب إنما تجتمع على النار وتنكمش وهذا كقوله :
علفتها تبنا وماء باردا
أي وسقيتها ماء. والظاهر أن الضمير في (وَلَهُمْ) عائد على الكفار ، واللام للاستحقاق. وقيل : بمعنى على أي وعليهم كقوله (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) (٢) أي وعليهم. وقيل : الضمير يعود على ما يفسره المعنى وهو الزبانية. وقال قوم منهم الضحاك : المقامع المطارق. وقيل : سياط من نار وفي الحديث : «لو وضع مقمع منها في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض» (مِنْ غَمٍ) بدل من منها بدل اشتمال ، أعيد معه الجار وحذف الضمير لفهم المعنى أي من غمها ، ويحتمل أن تكون من للسبب أي لأجل الغم الذي يلحقهم ، والظاهر تعليق الإعادة على الإرادة للخروج فلا بد من محذوف يصح به المعنى ، أي من أماكنهم المعدة لتعذيبهم (أُعِيدُوا فِيها) أي في تلك الأماكن. وقيل (أُعِيدُوا فِيها) بضرب الزبانية إياهم بالمقامع (وَذُوقُوا) أي ويقال لهم ذوقوا.
ولما ذكر تعالى ما أعد لأحد الخصمين من العذاب ذكر ما أعد من الثواب للخصم الآخر. وقرأ الجمهور (يُحَلَّوْنَ) بضم الياء وفتح الحاء وتشديد اللام. وقرىء بضم الياء
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ١٥.
(٢) سورة الرعد : ١٣ / ٢٥.