علل (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ). وقرأت فرقة فيما حكى يعقوب : (مَرَحاً) بكسر الراء وهو حال أي لا تمش متكبرا مختالا. قال مجاهد : لن تخرق بمشيك على عقبيك كبرا وتنعما ، (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ) بالمشي على صدور قدميك تفاخرا و (طُولاً) والتأويل أن قدرتك لا تبلغ هذا المبلغ فيكون ذلك وصلة إلى الاختيال. وقال الزجاج : (لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ) مختالا فخورا ، ونظيره : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) (١) و (اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (٢). وقال الزمخشري : (لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها وشدّة وطئك ، (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) بتطاولك وهو تهكّم بالمختال. وقرأ الجراح الأعرابي : (لَنْ تَخْرِقَ) بضم الراء. قال أبو حاتم : لا تعرف هذه اللغة. وقيل : أشير بذلك إلى أن الإنسان محصور بين جمادين ضعيف عن التأثير فيهما بالخرق وبلوغ الطول ومن كان بهذه المثابة لا يليق به التكبر. وقال الشاعر :
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا |
|
فكم تحتها قوم هم منك أرفع |
والأجود انتصاب قوله (طُولاً) على التمييز ، أي لن يبلغ طولك الجبال. وقال الحوفي : (طُولاً) نصب على الحال ، والعامل في الحال (تَبْلُغَ) ويجوز أن يكون العامل تخرق ، و (طُولاً) بمعنى متطاول انتهى. وقال أبو البقاء : (طُولاً) مصدر في موضع الحال من الفاعل أو المفعول ، ويجوز أن يكون تمييزا ومفعولا له ومصدرا من معنى تبلغ انتهى. وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو جعفر والأعرج سيئة بالنصب والتأنيث. وقرأ باقي السبعة والحسن ومسروق سيئة بضم الهمزة مضافا لهاء المذكر الغائب. وقرأ عبد الله سيئاته بالجمع مضافا للهاء ، وعنه أيضا سيئات بغيرها ، وعنه أيضا كان خبيثه. فأما القراءة الأولى فالظاهر أن ذلك إشارة إلى مصدري النهيين السابقين ، وهما قفو ما ليس له به علم ، والمشي في الأرض مرحا. وقيل : إشارة إلى جميع المناهي المذكورة فيما تقدم في هذه السورة ، وسيئة خبر كان وأنت ثم قال مكروها فذكر. قال الزمخشري : السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب ، والاسم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه ، ولا فرق بين من قرأ سيئة ومن قرأ سيئا ، ألا تراك تقول : الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة ، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث انتهى. وهو تخريج حسن.
__________________
(١) سورة الفرقان : ٧ / ٦٣.
(٢) سورة لقمان : ٣١ / ١٩.