وقيل : المعنى لم ننزله مرة واحدة بل نجوما ومعناه أكثرنا صرف جبريل إليك والمفعول محذوف أي (صَرَّفْنا) جبريل.
وقيل : (فِي) زائدة أي (صَرَّفْنا هذَا الْقُرْآنِ) كما قال (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) (١) وهذا ضعيف لأن في لا تزاد. وقال الزمخشري : يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات لأنه مما صرفه وكرر ذكره ، والمعنى ولقد (صَرَّفْنا) القول في هذا المعنى ، وأوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير ، ويجوز أن يشير بهذا (الْقُرْآنِ) إلى التنزيل ، ويريد ولقد صرفناه يعني هذا المعنى في مواضع من التنزيل ، فترك الضمير لأنه معلوم انتهى. فجعل التصريف خاصا بما دلت عليه الآية قبله وجعل مفعول (صَرَّفْنا) أما القول في هذا المعنى أو المعنى وهو الضمير الذي قدره في صرفناه وغيره جعل التصريف عامّا في أشياء فقدر ما يشمل ما سيق له ما قبله وغيره. وقرأ الحسن بتخفيف الراء. فقال صاحب اللوامح : هو بمعنى العامة يعني بالعامة قراءة الجمهور ، قال : لأن فعل وفعل ربما تعاقبا على معنى واحد. وقال ابن عطية : على معنى صرفنا فيه الناس إلى الهدى بالدعاء إلى الله.
وقرأ الجمهور (لِيَذَّكَّرُوا) أي ليتذكروا من التذكير ، أدغمت التاء في الذال. وقرأ الإخوان وطلحة وابن وثاب والأعمش ليذكروا بسكون الذال وضم الكاف من الذكر أو الذكر ، أي ليعظوا ويعتبروا وينظروا فيما يحتج به عليهم ويطمئنوا إليه (وَما يَزِيدُهُمْ) أي التصريف (إِلَّا نُفُوراً) أي بعدا وفرارا عن الحق كما قال : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (٢) وقال : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) (٣) والنفور من أوصاف الدواب الشديدة الشماس ، ولما ذكر تعالى نسبة الولد إليهم ورد عليهم في ذلك ذكر قولهم إنه تعالى معه آلهة وردّ عليهم.
وقرأ ابن كثير وحفص (كَما يَقُولُونَ) بالياء من تحت ، والجمهور بالتاء. ومعنى (لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) إلى مغالبته وإفساد ملكه لأنهم شركاؤه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض. وقال هذا المعنى أو مثله ابن جبير وأبو عليّ الفارسي والنقاش والمتكلمون أبو منصور وغيره ، وعلى هذا تكون الآية بيانا للتمانع كما في قوله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٤) ويأتي تفسيرها إن شاء الله تعالى. وقال قتادة ما معناه : لابتغوا
__________________
(١) سورة الأحقاف : ٤٦ / ١٥.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ١٢٥.
(٣) سورة المدثر : ٧٤ / ٤٩.
(٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ٢٢.