إلى التقرب إلى ذي العرش والزلفى لديه ، وكانوا يقولون : إن الأصنام تقربهم إلى الله فإذا علموا أنها تحتاج إلى الله فقد بطل كونها آلهة ، ويكون كقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) (١) أيهم أقرب ، والكاف من (كَما) في موضع نصب. وقال الحوفي : متعلقة بما تعلقت به مع وهو الاستقرار و (مَعَهُ) خبر كان. وقال أبو البقاء : كونا لقولكم.
وقال الزمخشري : و (إِذاً) دالة على أن ما بعدها وهو (لَابْتَغَوْا) جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو انتهى. وعطف (وَتَعالى) على قوله (سُبْحانَهُ) لأنه اسم قام مقام المصدر الذي هو في معنى الفعل ، أي براءة الله وقدر تنزه وتعالى يتعلق به عن على سبيل الأعمال إذ يصح لسبحان أن يتعلق به عن كما في قوله (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٢) والتعالي في حقه تعالى هو بالمكانة لا بالمكان. وقرأ الإخوان : عما تقولون بالتاء من فوق وباقي السبعة بالياء. وانتصب (عُلُوًّا) على أنه مصدر على غير الصدر أي تعاليا ووصف تكبيرا مبالغة في معنى البراءة والبعد عما وصفوه به لأن المنافاة بين الواجب لذاته والممكن لذاته ، وبين القديم والمحدث ، وبين الغني والمحتاج منافاة لا تقبل الزيادة ، ونسبة التسبيح للسموات والأرض ومن فيهن من ملك وإنس وجن حمله بعضهم على النطق بالتسبيح حقيقة ، وأن ما لا حياة فيه ولا نمو يحدث الله له نطقا وهذا هو ظاهر اللفظ ، ولذلك جاء (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ). وقال بعضهم : ما كان من نام حيوان وغيره يسبح حقيقة ، وبه قال عكرمة قال : الشجرة تسبّح والأسطوانة لا تسبّح.
وسئل الحسن عن الخوان أيسبّح؟ فقال : قد كان تسبّح مرة يشير إلى أنه حين كان شجرة كان يسبّح ، وحين صار خوانا مدهونا صار جمادا لا يسبّح. وقيل : التسبيح المنسوب لما لا يعقل مجاز ومعناه أنها تسبّح بلسان الحال حيث يدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته وكماله ، فكأنها تنطق بذلك وكأنها تنزه الله عما لا يجوز عليه من الشركاء وغيرها. ويكون قوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) خطابا للمشركين ، وهم وإن كانوا معترفين بالخالق أنه الله لكنهم لما جعلوا معه آلهة لم ينظروا ولم يقروا لأن نتيجة النظر الصحيح والإقرار الثابت خلاف ما كانوا عليه ، فإذا لم يفقهوا التسبيح ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق فيكون التسبيح المسند إلى السموات والأرض ومن فيهن على سبيل المجاز قدرا مشتركا بين الجميع ، وإن كان يصدر التسبيح حقيقة ممن فيهن من ملك وإنس وجان ولا
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٥٧.
(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ١٨٠.