موجود بمكة وتهامة فقط قاله عكرمة وأخذ تصبح على حقيقتها أي : تصبح ، من ليلة المطر. وذهب إلى أن الاخضرار في غير مكة وتهامة يتأخر. وقال ابن عطية : وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى نزل المطر ليلا بعد قحط فأصبحت تلك الأرض الرملة التي قد نسفتها الرياح قد اخضرّت بنبات ضعيف انتهى.
وإذا جعلنا (فَتُصْبِحُ) بمعنى فتصير لا يلزم أن يكون ذلك الاخضرار في وقت الصباح ، وإذا كان الاخضرار متأخرا عن إنزال المطر فثم جمل محذوفة التقدير ، فتهتز وتربو فتصبح يبين ذلك قوله تعالى (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ) (١). وقرىء (مُخْضَرَّةً) على وزن مفعلة ومسبعة أي ذات خضر ، وخص تصبح دون سائر أوقات النهار لأن رؤية الأشياء المحبوبة أول النهار أبهج وأسر للرائي.
(إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) أي باستخراج النبات من الأرض بالماء الذي أنزله (خَبِيرٌ) بما يحدث عن ذلك النبت من الحب وغيره. وقيل (خَبِيرٌ) بلطيف التدبير (خَبِيرٌ) بالصنع الكثير. وقيل : (خَبِيرٌ) بمقادير مصالح عباده فيفعل على قدر ذلك من غير زيادة ولا نقصان. وقال ابن عباس (لَطِيفٌ) بأرزاق عباده (خَبِيرٌ) بما في قلوبهم من القنوط. وقال الكلبي (لَطِيفٌ) بأفعاله (خَبِيرٌ) بأعمال خلقه. وقال الزمخشري (لَطِيفٌ) وأصل علمه أو فضله إلى كل شيء (خَبِيرٌ) بمصالح الخلق ومنافعهم. وقال ابن عطية : واللطيف المحكم للأمور برفق. (ما فِي الْأَرْضِ) يشمل الحيوان والمعادن والمرافق.
وقرأ الجمهور (وَالْفُلْكَ) بالنصب وضم اللام ابن مقسم والكسائي عن الحسن ، وانتصب عطفا على (ما) ونبه عليها وإن كانت مندرجة في عموم ما تنبيها على غرابة تسخيرها وكثرة منافعها ، وهذا هو الظاهر. وجوز أن يكون معطوفا على الجلالة بتقدير وأن (الْفُلْكَ) وهو إعراب بعيد عن الفصاحة و (تَجْرِي) حال على الإعراب الظاهر. وفي موضع الجر على الإعراب الثاني. وقرأ السلمي والأعرج وطلحة وأبو حيوة والزعفراني بضم الكاف مبتدأ وخبر ، ومن أجاز العطف على موضع اسم إن أجازه هنا فيكون (تَجْرِي) حالا. والظاهر أن (أَنْ تَقَعَ) في موضع نصب بدل اشتمال ، أي ويمنع وقوع السماء على الأرض. وقيل هو مفعول من أجله يقدره البصريون كراهة (أَنْ تَقَعَ) والكوفيون لأن لا تقع. وقوله (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي يوم القيامة كأن طي السماء بعض هذه الهيئة لوقوعها ،
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٥ وسورة فصلت : ٤١ / ٣٩.