وجاء بعث كذلك في قوله (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ) (١) (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) (٢) و (أَنِ) في (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) يجوز أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية وجاء هنا (وَقالَ الْمَلَأُ) بالواو. وفي الأعراف وسورة هود في قصه بغير واو قصد في الواو العطف على ما قاله ، أي اجتمع قوله الذي هو حق ، وقولهم الذي هو باطل كأنه إخبار بتباين الحالين والتي بغير واو قصد به الاستئناف وكأنه جواب لسؤال مقدر ، أي فما كان قولهم له قال قالوا كيت وكيت (بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي بلقاء الجزاء من الثواب والعقاب فيها (وَأَتْرَفْناهُمْ) أي بسطنا لهم الآمال والأرزاق ونعمناهم ، واحتملت هذه الجملة أن تكون معطوفة على صلة الذين ، وكان العطف مشعرا بغلبة التكذيب والكفر ، أي الحامل لهم على ذلك كوننا نعمناهم وأحسنا إليهم ، وكان ينبغي أن يكون الأمر بخلاف ذلك وأن يقابلوا نعمتنا بالإيمان وتصديق من أرسلته إليهم ، وأن تكون جملة حالية أي وقد (أَتْرَفْناهُمْ) أي (كَذَّبُوا) في هذه الحال ، ويؤول هذا المعنى إلى المعنى الأول أي (كَذَّبُوا) في حال الإحسان إليهم ، وكان ينبغي أن لا يكفروا وأن يشكروا النعمة بالإيمان والتصديق لرسلي.
وقوله (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ) تحقيق للبشرية وحكم بالتساوي بينه وبينهم ، وأن لا مزية له عليهم ، والظاهر أن ما موصولة في قوله (مِمَّا تَشْرَبُونَ) وأن العائد محذوف تقديره (مِمَّا تَشْرَبُونَ) منه لوجود شرائط الحذف ، وهو اتحاد المتعلق والمتعلق كقوله : مررت بالذي مررت ، وحسن هذا الحذف ورجحه كون (تَشْرَبُونَ) فاصلة ولدلالة منه عليه في قوله (مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ) وفي التحرير وزعم الفراء أن معنى قوله (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) على حذف أي (مِمَّا تَشْرَبُونَ) منه ، وهذا لا يجوز عند البصريين ولا يحتاج إلى حذف البتة لأن ما إذا كانت مصدرا لم تحتج إلى عائد ، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت المفعول ولم تحتج إلى إضمار من انتهى. يعني أنه يصير التقدير مما تشربونه ، فيكون المحذوف ضميرا متصلا وشروط جواز الحذف فيه موجودة ، وهذا تخريج على قاعدة البصريين إلّا أنه يفوت فصاحة معادلة التركيب ألا ترى أنه قال (مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ) فعداه بمن التبعيضية ، فالمعادلة تقتضي أن يكون التقدير (مِمَّا تَشْرَبُونَ) منه ، فلو كان التركيب مما تأكلونه لكان تقدير تشربونه هو الراجح.
وقال الزمخشري : حذف الضمير والمعنى من مشروبكم أو حذف منه لدلالة ما قبله
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٨٤.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٥١.