وقال الحوفي : لم يقل يستمعونه ولا يستمعونك لما كان الغرض ليس الإخبار عن الاستماع فقط ، وكان مضمنا أن الاستماع كان على طريق الهزء بأن يقولوا : مجنون أو مسحور ، جاء الاستماع بالباء وإلى ليعلم أن الاستماع ليس المراد به تفهم المسموع دون هذا المقصد (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى) فإذا الأولى تتعلق بيستمعون به وكذا (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) لأن المعنى نحن أعلم بالذي يستمعون به إليك وإلى قراءتك وكلامك إنما يستمعون لسقطك وتتبع عيبك والتماس ما يطعنون به عليك ، يعني في زعمهم ولهذا ذكر تعديته بالباء وإلى انتهى. وقال أبو البقاء : يستمعون به. قيل : الباء بمعنى اللام ، لا وإذ ظرف ليستمعون الأولى ، والنجوى مصدر ، ويجوز أن يكون جمع نجى كقتيل وقتلى ، وإذ بدل من (إِذْ) الأولى. وقيل : التقدير اذكر إذ تقول. وقال ابن عطية : الضمير في به عائد على ما هو بمعنى الذي ، والمراد الاستخفاف والإعراض فكأنه قال : نحن أعلم بالاستخفاف والاستهزاء الذي يستمعون به أي هو ملازمهم ، ففضح الله بهذه الآية سرهم والعامل في (إِذْ) الأولى وفي المعطوف (يَسْتَمِعُونَ) الأولى انتهى. تناجوا فقال النضر : ما أفهم ما تقول ، وقال أبو سفيان : أرى بعضه حقا ، وقال أبو جهل : مجنون ، وقال أبو لهب : كاهن ، وقال حويطب : شاعر ، وقال بعضهم : أساطير الأولين ، وبعضهم إنما يعلمه بشر ، وروي أن تناجيهم كان عند عتبة دعا أشراف قريش إلى طعام فدخل عليهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله. فتناجوا يقولون ساحر مجنون ، والظاهر أن (مَسْحُوراً) من السحر أي خبل عقله السحر. وقال مجاهد : مخدوعا نحو (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (١) أي تخدعون. وقال أبو عبيدة : (مَسْحُوراً) معناه أن له سحرا أي رئة فهو لا يستغني عن الطعام والشراب فهو مثلكم وليس بملك ، وتقول العرب للجبان : قد انتفخ سحره ولكل من أكل أو شرب من آدمي وغيره مسحور. قال :
أرانا موضعين لأمر غيب |
|
ونسحر بالطعام والشراب |
أي نغذى ونعلل ونسحر. قال لبيد :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا |
|
عصافير من هذا الأنام المسحر |
قال ابن قتيبة : لا أدري ما الذي حمل أبا عبيدة على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة. وقال ابن عطية : الآية التي بعد هذا تقوي أن اللفظة من
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٨٩.