ومتاع إلى حين. وقالت عائشة : (الرُّؤْيَا) رؤيا منام. قال ابن عطية : وهذه الآية تقضي بفساده ، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها وما كان أحد لينكرها انتهى. ولبس كما قال ابن عطية : فإن رؤيا الأنبياء حق ويخبر النبيّ بوقوع ذلك لا محالة فيصير إخباره بذلك فتنة لمن يريد الله به ذلك. وقال صاحب التحرير : سألت أبا العباس القرطبي عن هذه الآية فقال : ذهب المفسرون فيها إلى أمر غير ملائم في سياق أول الآية ، والصحيح أنها رؤية عين يقظة لما آتاه بدرا أراه جبريل عليهالسلام مصارع القوم فأراها الناس ، وكانت فتنة لقريش فإنهم لما سمعوا أخذوا في الهزء والسخرية بالرسول صلىاللهعليهوسلم. (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) هنا هي أبو جهل انتهى.
وقال الزمخشري : ولعل الله تعالى أراه مصارعهم في منامه فقد كان يقول حين ورد ماء بدر : «والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» وهو يومىء إلى الأرض ويقول : «هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان». فتسامعت قريش بما أوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أمر بدر وما أري في منامه من مصارعهم ، فكانوا يضحكون ويستسخرون به استهزاء. وقيل : رأى في المنام أن ولد الحكم يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة انتهى. والظاهر أنه أريد بالشجرة حقيقتها. فقال ابن عباس : هي الكشوث المذكورة في قوله (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) (١) وعنه أيضا : هي (الشَّجَرَةَ) التي تلتوي على الشجرة فتفسدها. قال : والفتنة قولهم ما بال الحشائش تذكر في القرآن. وقال الجمهور : هي شجرة الزقوم لما نزل أمرها في الصافات وغيرها. قال أبو جهل وغيره : هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنها تنبت الشجر والنار تأكل الشجر وما نعرف الزقوم إلّا التمر بالزبد ، ثم أمر أبو جهل جارية له فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه : «تزقموا» فافتتن أيضا بهذه المقالة بعض الضعفاء.
قال الزمخشري : وما أنكروا أن يجعل الله (الشَّجَرَةَ) من جنس لا تأكله النار ، فهذا وبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك يتخذ منها مناديل إذا اتسخت طرحت في النار فيذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا تعمل فيه النار ، وترى النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد الحمر كالجمر بإحماء النار فلا يضرها ثم أقرب من ذلك أنه خلق في كل شجرة نارا فلا تحرقها فما أنكروا أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها. والمعنى أن الآيات إنما نرسل بها
__________________
(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ٢٦.