تخويفا للعباد ، وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر فما كان ما أريناك منه في منامك بعد الوحي إليك إلّا فتنة لهم حيث اتخذوه سخريا وخوفوا بعذاب الآخرة وبشجرة الزقوم فما أثر فيهم ثم قال (وَنُخَوِّفُهُمْ) أي بمخاوف الدنيا والآخرة (فَما يَزِيدُهُمْ) التخويف (إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) فكيف يخاف قوم هذه حالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات انتهى. وقوله بعد الوحي إليك هو قوله (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (١) وقوله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) (٢) والظاهر إسناد اللعنة إلى (الشَّجَرَةَ) واللعن الإبعاد من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة. وقيل تقول العرب لكل طعام مكروه ضار ملعون.
قال الزمخشري : وسألت بعضهم فقال نعم الطعام الملعون القشب الممحون. وقال ابن عباس : (الْمَلْعُونَةَ) يريد آكلها ، ونمقه الزمخشري فقال : لعنت حيث لعن طاعموها من الكفرة والظلمة لأن الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن على الحقيقة وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز انتهى. وقيل لما شبه طلعها برؤوس الشياطين ، والشيطان ملعون نسبت اللعنة إليها. وقال قوم (الشَّجَرَةَ) هنا مجاز عن واحد وهو أبو جهل. وقيل هو الشيطان. وقيل مجاز عن جماعة وهم اليهود الذين تظاهروا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولعنهم الله تعالى وفتنتهم أنهم كانوا ينتظرون بعثة الرسول عليهالسلام ، فلما بعثه الله كفروا به وقالوا : ليس هو الذي كنا ننتظره فثبطوا كثيرا من الناس بمقالتهم عن الإسلام. وقيل بنو أمية حتى إن من المفسرين من لا يعبر عنهم إلّا بالشجرة الملعونة لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة وأخذ الأموال من غير حلها وتغيير قواعد الدين وتبديل الأحكام ، ولعنها في القرآن (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٣) إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة.
وقرأ الجمهور : (الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) عطفا على (الرُّؤْيَا) فهي مندرجة في الحصر ، أي (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) في القرآن (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ). وقرأ زيد بن عليّ برفع (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره كذلك أي فتنة ، والضمير في (وَنُخَوِّفُهُمْ) لكفار مكة. وقيل لملوك بني أمية بعد الخلافة التي قال
__________________
(١) سورة القمر : ٥٤ / ٤٥.
(٢) سورة آل عمران ٣ / ١٢.
(٣) سورة هود : ١١ / ١٨.