عن أوهامكم من تدعونه إلها فيشفع أو ينفع ، أو (ضَلَ) من تعبدونه إلّا الله وحده فتفردونه إذ ذاك بالالتجاء إليه والاعتقاد أنه لا يكشف الضر إلّا هو ولا يرجون لكشف الضر غيره. ثم ذكر حالهم إذ كشف عنهم من إعراضهم عنه وكفرانهم نعمة إنجائهم من الغرق ، وجاءت صفة (كَفُوراً) دلالة على المبالغة ، ثم لم يخاطبهم بذلك بل أسند ذلك إلى الإنسان لطفا بهم وإحالة على الجنس إذ كل أحد لا يكاد يؤدّي شكر نعم الله.
وقال الزجاج : المراد بالإنسان الكفار ، والظاهر أن (إِلَّا إِيَّاهُ) استثناء منقطع لأنه لم يندرج في قوله (مَنْ تَدْعُونَ) إذ المعنى ضلت آلهتهم أي معبوداتهم وهم لا يعبدون الله. وقيل : هو استثناء متصل وهذا على معنى ضل من يلجؤون إليه وهم كانوا يلجؤون في بعض أمورهم إلى معبوداتهم ، وفي هذه الحالة لا يلجؤون إلّا إلى الله والهمزة في (أَفَأَمِنْتُمْ) للإنكار. قال الزمخشري : والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم انتهى. وتقدم لنا الكلام معه في دعواه أن الفاء والواو في مثل هذا التركيب للعطف على محذوف بين الهمزة وحرف العطف ، وأن مذهب الجماعة أن لا محذوف هناك ، وأن الفاء والواو للعطف على ما قبلها وأنه اعتنى بهمزة الاستفهام لكونها لها صدر الكلام فقدمت والنية التأخير ، وأن التقدير فأمنتم. وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة والخطاب للسابق ذكرهم أي (أَفَأَمِنْتُمْ) أيها الناجون المعرضون عن صنع الله الذي نجاكم ، وانتصب (جانِبَ) على المفعول به بنخسف كقوله (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) (١) والمعنى أن نغيره بكم فتهلكون بذلك. وقال الزمخشري : أن نقلبه وأنتم عليه.
وقال الحوفي : (جانِبَ الْبَرِّ) منصوب على الظرف ، ولما كان الخسف تغييبا في التراب قال : (جانِبَ الْبَرِّ) و (بِكُمْ) حال أي نخسف (جانِبَ الْبَرِّ) مصحوبا بكم. وقيل : الباء للسبب أي بسببكم ، ويكون المعنى (جانِبَ الْبَرِّ) الذي أنتم فيه ، فيحصل بخسفه إهلاكهم وإلّا فلا يلزم من خسف (جانِبَ الْبَرِّ) بسببهم إهلاكهم.
قال قتادة : الحاصب الحجارة. وقال السدّي : رام يرميكم بحجارة من سجيل ، والمعنى أن قدرته تعالى بالغة فإن كان نجاكم من الغرق وكفرتم نعمته فلا تأمنوا إهلاكه إياكم وأنتم في البر ، إما بأمر يكون من تحتكم وهو تغوير الأرض بكم ، أو من فوقكم بإرسال حاصب عليكم ، وهذه الغاية في تمكن القدرة ثم (لا تَجِدُوا) عند حلول أحد
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٨١.