محمد بن كعب بجعل محمد عليه الصلاة والسلام منهم. وعن ابن جرير بالتسليط على غيره من الخلق وتسخيره له. وقيل : بالخط. وقيل : باللحية للرجل والذؤابة للمرأة. وعن ابن عباس : بأكله بيده وغيره بفمه. وقيل : بتدبير المعاش والمعاد. وقيل : بخلق الله آدم بيده. قال ابن عطية : وقد ذكر أن من الحيوان ما يفضل بنوع ما ابن آدم كجري الفرس وسمعه وإبصاره ، وقوة الفيل ، وشجاعة الأسد ، وكرم الديك. قال : وإنما التكريم والتفضيل بالعقل الذي يملك به الحيوان كله وبه يعرف الله ويفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه انتهى.
(وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) وهذا أيضا من تكريمهم. قال ابن عباس : في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل ، وفي البحر على السفن. وقال غيره : على أكباد رطبة وأعواد يابسة. و (الطَّيِّباتِ) كما تقدم الحلال أو المستلذ ولا يتسع غيره من الحيوان في الرزق اتساعه لأنه يكتسب المال ويلبس الثياب ويأكل المركب من الأطعمة بخلاف الحيوان ، فإنه لا يكتسب ولا يلبس ولا يأكل غالبا إلا لحما نيئا وطعاما غير مركب ، والظاهر أن كثيرا باق على حقيقته ، فقالت طائفة : فضلوا على الخلائق كلهم غير جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وأشباههم وهذا عن ابن عباس. وعنه إن الإنسان ليس أفضل من الملك وهو اختيار الزجّاج. وقال ابن عطية : والحيوان والجن هو الكثير المفضول والملائكة هم الخارجون عن الكثير المفضول. وقالت فرقة : الآية تقضي بفضل الملائكة على الإنس من حيث هم المستثنون ، وقد قال تعالى (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (١) وهذا غير لازم من الآية ، بل التفضيل بين الإنس والجن لم تعن له الآية بل يحتمل أن الملائكة أفضل ويحتمل التساوي ، وإنما يصح تفضيل الملائكة من مواضع أخر من الشرع انتهى.
وقال الزمخشري : (عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا) هو ما سوى الملائكة عليهم الصلاة والسلام ، وحسب بني آدم (تَفْضِيلاً) أن ترفع عليهم الملائكة وهم هم ومنزلتهم عند الله منزلتهم ، والعجب من المجبرة كيف عكسوا في كل شيء وكابروا حتى جسرتهم المكابرة على العظيمة التي هي تفضيل الإنسان على الملك ، ثم ذكر تشنيعا أقذع فيه يوقف عليه من كتابه. وقيل : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ) بالغلبة والاستيلاء. وقيل : بالثواب والجزاء يوم القيامة ، وعلى هذين القولين لم تتعرض الآية للتفضيل المختلف فيه بين الإنس والملائكة.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٧٢.