وقيل : المراد بكثير مجازه وهو إطلاقه على الجميع ، والعرب تفعل ذلك وهذا القول لا ينبغي أن يقال هنا لأنك لو جعلت جميعا كان بكثير ، فقلت على جميع ممن خلقنا لكان نائيا عن الفصاحة ، ولا يليق أن يحمل كلام الله تعالى الذي هو أفصح الكلام عليه ، ولأبي عبد الله الرازي كلام في تكريم ابن آدم وتفضيله مستمد من كلام الذين يسمونهم حكماء يوقف عليه في تفسيره إذ هو جار على غير طريقة العرب في كلامها.
ولما ذكر تعالى أنواعا من كرامات الإنسان في الدنيا ذكر شيئا من أحوال الآخرة فقال : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) واختلفوا في العامل في (يَوْمَ). فقيل : العامل فيه ما دل عليه قوله متى هو. وقيل : فتستجيبون. وقيل : هو بدل من يوم يدعوكم وهذه أقوال في غاية الضعف ، ولو لا أنهم ذكروها لضربت عن ذكرها صفحا وهو في هذه الأقوال ظرف. وقال الحوفي وابن عطية انتصب على الظرف والعامل فيه اذكر وعلى تقدير اذكر لا يكون ظرفا بل هو مفعول. وقال ابن عطية أيضا بعد قوله هو ظرف : والعامل فيه أذكر أو فعل يدل عليه قوله (وَلا يُظْلَمُونَ) ، وحكاه أبو البقاء وقدره (وَلا يُظْلَمُونَ) يوم ندعو. وقال ابن عطية أيضا : ويصح أن يعمل فيه (وَفَضَّلْناهُمْ) وذلك أن فضل البشر يوم القيامة على سائر الحيوان بيّن لأنهم المنعمون المكلفون المحاسبون الذين لهم القدر إلّا أن هذا يرده أن الكفار يومئذ أخسر من كل حيوان ، إذ يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا. وقال ابن عطية أيضا : ويصح أن يكون (يَوْمَ) منصوبا على البناء لما أضيف إلى غير متمكن ، ويكون موضعه رفعا بالابتداء ، والخبر في التقسيم الذي أتى بعد في قوله (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) إلى قوله (وَمَنْ كانَ) انتهى. وقوله منصوبا على البناء كان ينبغي أن يقول مبنيا على الفتح ، وقوله : لما أضيف إلى غير متمكن ليس بجيد لأن الذي ينقسم إلى متمكن وغير متمكن هو الاسم لا الفعل ، وهذا أضيف إلى فعل مضارع ومذهب البصريين أنه إذا أضيف إلى فعل مضارع معرب لا يجوز بناؤه ، وهذا الوجه الذي ذكره هو على رأي الكوفيين. وأما قوله : والخبر في التقسيم فالتقسيم عار من رابط لهذه الجملة التقسيمية بالمبتدأ لا أن قدر محذوفا ، فقد يمكن أي ممن (أُوتِيَ كِتابَهُ) فيه (بِيَمِينِهِ) وهو بعد ذلك التخريج تخريج متكلف.
وقال بعض النحاة : العامل فيه (وَفَضَّلْناهُمْ) على تقدير (وَفَضَّلْناهُمْ) بالثواب ، وهذا القول قريب من قول ابن عطية الذي ذكرناه عنه قبل. وقال الزجاج : هو ظرف لقوله ثم لا تجد. وقال الفراء : هو معمول لقوله نعيدكم مضمرة أي نعيدكم (يَوْمَ نَدْعُوا) والأقرب