لنا على ذلك : حكم العقل وما ورد من النقل.
الاستدلال عليه من العقل |
أمّا العقل : فلاستقلاله بقبح مؤاخذة من كلّف بمركّب لم يعلم من أجزائه إلاّ عدّة أجزاء ، ويشكّ في أنّه هو هذا أو له جزء آخر وهو الشيء الفلانيّ ، ثمّ بذل جهده في طلب الدليل على جزئيّة ذلك الأمر فلم يقتدر ، فأتى بما علم وترك المشكوك ، خصوصا مع اعتراف المولى بأنّي ما نصبت لك عليه دلالة ، فإنّ القائل بوجوب الاحتياط لا ينبغي أن يفرّق في وجوبه بين أن يكون الآمر لم ينصب دليلا أو نصب واختفى ، غاية الأمر : أنّ ترك النصب من الآمر قبيح ، وهذا لا يرفع التكليف بالاحتياط عن المكلّف.
فإن قلت : إنّ بناء العقلاء على وجوب الاحتياط في الأوامر العرفيّة الصادرة من الأطبّاء أو الموالي ؛ فإنّ الطبيب إذا أمر المريض بتركيب معجون فشكّ في جزئيّة شيء له مع العلم بأنّه غير ضارّ له ، فتركه المريض مع قدرته عليه ، استحقّ اللوم. وكذا المولى إذا أمر عبده بذلك.
قلت : أمّا أوامر الطبيب ، فهي إرشاديّة ليس المطلوب فيها إلاّ إحراز الخاصيّة المترتّبة على ذات المأمور به ، ولا نتكلّم فيها من حيث الإطاعة والمعصية ؛ ولذا لو كان بيان ذلك الدواء بجملة خبريّة غير طلبيّة (١) ، كان اللازم مراعاة الاحتياط فيها وإن لم يترتّب على مخالفته وموافقته ثواب أو عقاب ، والكلام في المسألة من حيث قبح عقاب الآمر على مخالفة المجهول وعدمه.
__________________
(١) في (ظ) بدل «غير طلبيّة» : «مجملة».