فعلمت أنّي من هذه الدّواب واحد ، فلم أشغل نفسي بشيء قد تكفّله لي ربّي عزوجل. قال : أحسنت.
فما الثانية؟ قال : رأيت لكل إنسان صديقا يفشي إليه سرّه ، ويشكو إليه أمره ، فقلت : أنظر من صديقي. فكل صديق وأخ رأيته قبل الموت ، فأردت أن أتّخذ صديقا يكون لي بعد الموت ، فصادقت الخير ليكون معي إلى الحساب ، ويجوز معي الصراط ، فيثبتني بين يدي الله عزوجل. قال : أحسنت (١).
فما الثالثة؟ قال : رأيت كلّ الناس لهم عدوّ ، فقلت : انظر من عدوّي ، فأمّا من اغتابني ، فليس هو عدوّي ، وأمّا من أخذ مني شيئا ، فليس هو عدوّي ، ولكنّ عدوّي الّذي إذا كنت في طاعة الله أمرني بمعصية الله ، فرأيت ذاك إبليس ، فاتخذته عدوّي ، فوضعت الحرب بيني وبينه ، ووترت قوسي ، ووصلت سهمي ، ولا أدعه يقربني. قال : أحسنت ، فما الرابعة؟ قال : رأيت كلّ الناس لهم طالب ، كل واحد منهم يوما واحدا ، فرأيت ذلك ملك الموت ـ عليهالسلام ـ ، ففزعت نفسي حتى إذا جاء لا ينبغي أن أمسكه ، فأمضي معه. قال : أحسنت. فما الخامسة؟ قال : نظرت في هذا الخلق ، فأحببت واحدا ، وأبغضت واحدا ، فالذي أحببته لم يعطني شيئا ، والّذي أبغضته لم يأخذ مني شيئا ، فقلت : من أين أتيت هذا ، فرأيت أنّي أتيت هذا من الحسد ، فطرحت الحسد من قلبي ، فأحببت النّاس كلّهم ، فكلّ شيء لم أرضه لنفسي لم أرض (٢) لهم. قال : أحسنت. فما السادسة؟ قال : رأيت الناس كلّهم لهم بيت ومأوى ، فرأيت مأواي القبر ، فكل شيء قدرت عليه من
__________________
(١) في «الحلية» (٨ / ٧٩): «أصبت».
(٢) جاء في الأصل : أرضى بالياء ، والتصحيح من مقتضى القواعد.