البيّن انّه ليس للمطلق وجود غير وجود كلّ واحد من الجزئيّات ووجود المجموع فلا محالة يكون حادثا أيضا.
أما حدوث القسم الثالث فلانّه لما ثبت أنّ الأعيان محدثة ومن البيّن انّ وجود الأعراض يتوقّف على وجود الأعيان ، ثبت أنّ الأعراض محدثة أيضا ، فإنّ ما يتوقّف على الحادث حادث بالضّرورة ، فثبت أنّ العالم بجميع أجزائه محدث وهو المطلوب.
واعترض عليه بان حصر العالم فى الأقسام الثّلاثة ممنوع ، لجواز أن يكون منه ما لا يكون متحيّزا أصلا كالعقول والنّفوس المجرّدة الّتي قال بها الحكماء ، والبعد المجرّد الّذي قال به افلاطون ومن تابعه والأعراض القائمة بها.
وأجيب عنه بأنّ المدّعى حدوث ما ثبت وجوده من العالم وهو الأجسام وأجزائها والأعراض القائمة بها ، وأمّا المجرّدات والأعراض القائمة بها فلم يثبت وجودها كما لم يثبت عدمها على ما بيّن فى محلّه.
وأنّت تعلم انّه على هذا لا يتفرّع على حدوث العالم قوله فيكون المؤثّر فيه هو الله تعالى ، أى الواجب لذاته لوجوب انتهاء الممكنات إليه ، وإلّا لزم الدّور او التّسلسل قادرا مختارا ، وذلك لجواز أن ينتهى ما ثبت وجوده وحدوثه من الممكنات إلى ما لم يثبت وجوده وحدوثه منها كالمجرّدات ، فيكون ذلك المجرّد قديما فيؤثّر فى الممكنات الحادثة على سبيل الاختيار ، ويؤثّر فيه الواجب لذاته على سبيل الإيجاب ، فلا يثبت كونه تعالى قادرا مختارا.
ولمّا كان ذلك التفريع نظريّا محتاجا إلى البيان مع قطع النّظر عن ذلك الاحتمال ، بيّنه بقوله لانّه لو كان موجبا ، أى لو كان الله المؤثّر فى العالم موجبا فى إيجاده ، فإمّا أن يكون موجبا بالاستقلال ، أو بشرط قديم أو حادث وعلى كلّ تقدير لم يتخلّف أثره عنه بالضّرورة ،
أمّا على التّقديرين الأوّلين فظاهر ، ضرورة امتناع تخلّف المعلول عن علّته المستقلّة ، وأمّا على التقدير الثّالث فلانّ ذلك الشّرط الحادث أيضا اثر له تعالى ، فهو