فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى |
|
كما قرّ عينا بالإياب المسافر |
وعن الزّبير بن بكار قال : قال يزيد بن عبد الملك (١) :
زعموا أنه لا يصفو لأحد عيش يوما واحدا ، فإنّي أريد ألا تخبروني غدا بشيء ، فإني أريد أن أتخلّى نظري ولذتي ، فلعلها تدوم لي ، فلما كان من غد جلس مع حبابة فأكلا وشربا وطربا ، وكان بين يدي حبابة رمان ، فأكلت منه فشرقت بحبة فماتت ، فمكث ثلاثا لا يدفنها ، ثم غسلت بعد ثلاث وأخرجت ، فمرّ يزيد في جنازتها.
وقيل :
إن يزيد بن عبد الملك نزل مكانا بالأردن يقال له ، بيت رأس (٢) ومعه حبابة ، فتوفيت ، فمكث ثلاثا لا يدفنها حتى أنتنت يشمها ويرشفها ، فكلمه قراباته في ذلك ، وعابوا عليه ما يصنع ، وقالوا : قد صارت جيفة بين يديك ، حتى أذن لهم في غسلها ودفنها ، فحملوها في نطع ، وخرج معهم حتى أجنّها (٣) في حفرتها (٤) ، فلما فرغوا قال : إنا والله كما قال كثير بن أبي جمعة (٥) :
فإن تسل عنك النفس (٦) أو تدع الصّبا |
|
فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد |
وكلّ حبيب زارني (٧) فهو قائل |
|
من اجلك : هذا هالك (٨) اليوم أو غد |
فما مكث بعدها إلّا خمس عشرة حتى دفن.
دخل يزيد بن عبد الملك يوما بعد موت حبابة إلى خزانتها ومقاصيرها ، فطاف فيها ومعه جارية من جواريها ، فتمثلت الجارية :
__________________
(١) الخبر في الأغاني ١٥ / ١٤٣ باختلاف الرواية.
(٢) بيت رأس اسم لقريتين في كل واحدة منهما كروم كثيرة ، ينسب إليها الخمر ، إحداهما كورة بالأردن ، والأخرى بنواحي حلب (انظر معجم البلدان).
(٣) أجنها : واراها.
(٤) الخبر في مروج الذهب ٣ / ٢٤٢ والأغاني ١٥ / ١٤٣ ـ ١٤٤ باختلاف الرواية فيهما.
(٥) البيتان في الأغاني ، والأول في مروج الذهب ٣ / ٢٤٢ ، وهما في ديوانه من قصيدة طويلة ص ٨٨ (ط. دار الكتاب العربي).
(٦) الأغاني : فإن يسل عنك القلب.
(٧) الديوان والأغاني : وكل خليل راءني.
(٨) الديوان والأغاني : هذا هامة.