وأمر بأخذه حيث أصابه ، وقيل له : أكنّ ذلك ولا تبده فيحذر ، ويحترز ، واحرص على أسره دون قتله ، فبعث المهلب ابنه حبيبا أمامه ، وسار من سوق الأهواز إلى مرو على بغلة شهباء في سبع عشرة ليلة ، فأخذه غارا (١) بمرو وهو لا يشعر.
ثم كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك ، فجاء المغيرة بن المهلب إلى منزل حبة بنت الفضل امرأة عبد الله بن فضالة ، وهي ابنة عم عبد الله ، فأرسل إليها أن حبيبا قد أخذ عبد الله ، وقد كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك ، فإن كان عندك خير فشأنك ، وعولي على المال ما بدا لك ، فأرسلت إليه : لا ، ولا كرامة ، تقتلونه وآخذ منكم المال؟! هذا ما لا يكون.
فتحولت إلى منزل أخيها لأمها خولي بن مالك الراسبي ، وأرسلت إلى بني سعد ، فاشتري لها باب عظيم ، فألقته على الخندق ليلا ، ثم جازت عليه فغشي عليها ، فلما أفاقت قالت : إني لم أكن أتعب ، فمتى أصابني هذا فشدّوني وثاقا ثم سيروا بي ، فخرجت مع خادمها وغلامها ودليلها ، لا يعلم بها أحد حتى دخلت دمشق على عبد الملك بن مروان ، فأتت أم أيوب بنت عمر (٢) بن عثمان بن عفان ، وكانت أمها زينب بنت كعب بن حلحلة الخزاعي.
قالت : يا أم أيوب قصدتك لأمر بهظني (٣) وغمّ كظّني (٤) ، وأعلمتها الخبر ، وقصت عليها القصة ، فقالت أم أيوب : قد كنت أسمع أمير المؤمنين يكثر ذكر صاحبك ، ويهظر التلظي عليه ، قالت : وأين رحلتي إليك؟ قالت : سأدخلك مدخلا وأجلسك مجلسا إن شفعت ففيه ، وإن رددت فلا تنصبي ، فلا شفاعة لك بعده ، فأجلستها في مجلسها الذي كانت تجلس فيه لدخول عبد الملك ليلا مغترا.
فلما دنا أخذت بجانب ثوبه ، ثم قالت : هذا مكان العائذ بك يا أمير المؤمنين. ففزع عبد الملك وأنكر الكلام.
فقالت أم أيوب : ما يفزعك يا أمير المؤمنين من كرامة ساقها الله إليك؟.
فقال : عذت معاذا ، فمن أنت؟.
__________________
(١) أي غافلا.
(٢) في مختصر ابن منظور : «عمرو» والمثبت يوافق ما جاء في نسب قريش للمصعب ص ١٢٠.
(٣) بهظني : أثقلني وأعجزني عنه.
(٤) كظه الأمر : بهظه وكربه وجهده حتى يعجز عنه.