والتغزغز في الترك كالبادية ، أصحاب عمد يرحلون ويحلّون ، والبذكشية أهل بلاد وقرّى. وكان هشام بن عبد الملك بعث إلى ملك الترك يدعوه إلى الإسلام ، قال الرسول : فدخلت عليه وهو يتخذ سرجا بيده فقال للترجمان : من هذا؟ فقال : رسول ملك العرب ، قال : غلامي! قال : نعم ، قال : فأسر بي إلى بيت كثير اللحم قليل الخبز ، ثم استدعاني وقال لي : ما بغيتك؟ فتلطّفت له وقلت : إن صاحبي يريد نصيحتك ويراك على ضلال ويحبّ لك الدخول في الإسلام ، قال : وما الإسلام؟ فأخبرته بشرائطه وحظره وإباحته وفروضه وعبادته ، فتركني أياما ثم ركب ذات يوم في عشرة أنفس مع كل واحد منهم لواء وأسر بحملي معه ، فمضينا حتى صعد تلّا وحول التلّ غيضة ، فلما طلعت الشمس أمر واحدا من أولئك أن ينشر لواءه ويليح به ، ففعل ، فوافى عشرة آلاف فارس مسلّح كلّهم يقول : جاه جاه ، حتى وقفوا تحت التلّ وصعد مقدّمهم فكفّر للملك ، فما زال يأمر واحدا واحدا أن ينشر لواءه ويليح به ، فإذا فعل ذلك وافى عشرة آلاف فارس مسلّح فيقف تحت التلّ حتى نشر الألوية العشرة وصار تحت التلّ مائة ألف فارس مدجّج ، ثم قال للترجمان : قل لهذا الرسول يعرّف صاحبه أن ليس في هؤلاء حجّام ولا إسكاف ولا خياط فإذا أسلموا والتزموا شروط الإسلام من أين يأكلون؟ ومن ملوك الترك كيماك دون ألفين ، وهم بادية يبيعون الكلأ ، فإذا ولد للرجل ولد ربّاه وعاله وقام بأمره حتى يحتلم ثم يدفع إليه قوسا وسهاما ويخرجه من منزله ويقول له : احتل لنفسك ، ويصيّره بمنزلة الغريب الأجنبي ؛ ومنهم من يبيع ذكور ولده وإناثهم بما ينفقونه ؛ ومن سنتهم أن البنات البكور مكشفات الرءوس ، فإذا أراد الرجل أن يتزوّج ألقى على رأس إحداهن ثوبا فإذا فعل ذلك صارت زوجته لا يمنعها منه مانع ؛ وذكر تميم بن بحر المطّوّعي أن بلدهم شديد البرد ، وإنما يسلك فيه ستة أشهر في السنة ، وأنه سلك في بلاد خاقان التغزغزي على بريد أنفذه خاقان إليه وأنه كان يسير في اليوم والليلة ثلاث سكك بأشد سير وأحثه ، فسار عشرين يوما في بواد فيها عيون وكلأ وليس فيها قرية ولا مدينة إلا أصحاب السكك ، وهم نزول في خيام ، وكان حمل معه زادا لعشرين يوما ، ثم سافر بعد ذلك عشرين يوما في قرى متصلة وعمارات كثيرة ، وأكثر أهلها عبدة نيران على مذهب المجوس ، ومنهم زنادقة على مذهب ماني ، وأنه بعد هذه الأيام وصل إلى مدينة الملك وذكر أنها مدينة حصينة عظيمة حولها رساتيق عامرة وقرى متصلة ولها اثنا عشر بابا من حديد مفرطة العظم ، قال : وهي كثيرة الأهل والزحام والأسواق والتجارات ، والغالب على أهلها مذهب الزنادقة ، وذكر أنه حزر ما بعدها إلى بلاد الصين مسيرة ثلاثمائة فرسخ ، قال : وأظنه أكثر من ذلك ، قال : وعن يمين بلدة التغزغز بلاد الترك لا يخالطها غيرهم ، وعن يسار التغزغز كيماك وأمامها بلاد الصين ، وذكر أنه نظر قبل وصوله إلى المدينة خيمة الملك من ذهب وعلى رأس قصره تسعمائة رجل ، وقد استفاض بين أهل المشرق أن مع الترك حصى يستمطرون به ، ويجيئهم الثلج حين أرادوا.
وذكر أحمد بن محمد الهمذاني عن أبي العباس عيسى ابن محمد المروزي قال : لم نزل نسمع في البلاد التي من وراء النهر وغيرها من الكور الموازية لبلاد الترك الكفرة الغزّيّة والتغزغزية والخزلجية ، وفيهم المملكة ، ولهم في أنفسهم شأن عظيم ونكاية في الأعداء شديدة ،