فكان أبو بكر بهذا أول من جمع القرآن في مصحف وإن وجدت مصاحف فردية عند بعض الصحابة كمصحف علي. (١)
ونذكر هنا كلام أحد علماء الإباضية لما فيه من فائدة مع إطنابه في الدفاع عن جمع القرآن ، فقال في منهج الطالبين : فإني لأعجب ممن يقبل من المسلمين قول من زعم أن الرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ترك القرآن الذي هو حجته على أمته والذي تقوم به دعوته والفرائض التي جاء بها من عند الله ولم يجمعه ، ولم يضمه ، ولم يخطه ، ولم يحصه ، ولم يحكم المر في قراءته وما يجوز من الاختلاف فيها ، وما لا يجوز في إعرابيه ومقداره ، وتأليف سوره ، وهذا لا يتوهم على رجل من عامة المسلمين فكيف برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم.
فلو لم يكن القرآن مجموعا مكتوبا في عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فأي شيء كان يكتب هؤلاء؟ وكيف يجوز على القوم الذين ذكرنا أحوالهم أن يتركوا جمع القرآن والوقوف على تأليفه ومقدمه ومؤخره ، وهو إنما أنزل عليهم وفيهم على ما تقدم من شرح.
ومما يدلنا على حفظهم لما استحفظوا له وفهمهم لما اسنكفوا إياه أنهم كانوا علماء لنظم السور وتأليف الآي، لا يحرفون الكتابة ولا يقصرون في التأدية ، وإنما أول ما أنزل من القرآن بمكة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَق ) (٣).
وأول ما أنزل بالمدينة سورة البقرة وآخر ما نزل سورة براءة ، فلو كانوا إنما
__________________
(١) مباحث في علوم القرآن : ٥٢.
(٢) العلق : ١.