ظهورهم لم يكتف أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الحد ، بل حاول نزع فتيل الفرقة والاختلاف بالدعوة لتوحيد المسلمين تحت أي مصحف آخر يؤدي الغرض وإن لم يشتمل على التنزيل والتفسير بشرط الحفاظ على النص القرآني ، وكان يشتد قلقه عليه السلام على القرآن وهو يزاد فيه وينقص يوما بعد يوم باجتهادات من فلان ورأي من فلان آخر ، فقد جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابن الخطاب زمن تأمره على الناس وأشار الأمير عليه السلام على ابن الخطاب بجمع نسخة واحدة من القرآن تكون رسمية للدولة ، وعلى إثر ذلك تتوحد وتلتف حولها جماهير المسلمين وتعتمدها الدولة وتراعاها لما لها من تسلط على الناس ، من باب الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن (١) ، فاستجاب ابن الخطاب للفكرة ، لكنه سريعا ما قتل ، وركدت تلك الحركة وقتلتفي مهدها ، ومن الطبيعي أن تزداد اختلاف القراء واجتهادات السلف في نصوص القرآن مع طول المدة ، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام لابن عفان ثالث القوم بعد أن جاء أول مرة حين أعطاهم الكتاب كاملا ، وثانيا زمن عمر حينما طرح الفكرة عليه ، وها هي الثالثة لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
وهذا ما أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة : بسنده عن سوار بن شبيب قال : دخلت على ابن الزبير في نفر فسألته عن عثمان ، لم شقق المصاحف ، ولم حمى الحمى؟ فقال قوموا فإنكم حرورية ، قلنا : لا والله ما نحن بحرورية. قال : قام إلى أمير المؤمنين عمر رجل فيه كذب وولع ، فقال : يا أميرالمؤمنين إن الناس
__________________
(١) كشاف القناع ٣ : ٧٧.