الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني بني إسرائيل استخلفهم في مصر والشام بعد الجبابرة ، وقرأ أبو بكر بضم التاء وكسر اللام وإذا ابتدأ ضم الألف والباقون بفتحهما وإذا ابتدءوا كسروا الألف. (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) وهو الإسلام بالتقوية والتثبيت. (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ) من الأعداء ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر بالتخفيف. (أَمْناً) منهم وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه مكثوا بمكة عشر سنين خائفين ، ثم هاجروا إلى المدينة وكان يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى أنجز الله وعده فأظهرهم على العرب كلهم وفتح لهم بلاد الشرق والغرب ، وفيه دليل على صحة النبوة للإخبار عن الغيب على ما هو به وخلافة الخلفاء الراشدين إذ لم يجتمع الموعود والموعود عليه لغيرهم بالإجماع. وقيل الخوف من العذاب والأمن منه في الآخرة. (يَعْبُدُونَنِي) حال من الذين لتقييد الوعد بالثبات على التوحيد ، أو استئناف ببيان المقتضي للاستخلاف والأمن. (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) حال من الواو أي يعبدونني غير مشركين. (وَمَنْ كَفَرَ) ومن ارتد أو كفر هذه النعمة. (بَعْدَ ذلِكَ) كبعد الوعد أو حصول الخلافة. (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الكاملون في فسقهم حيث ارتدوا بعد وضوح مثل هذه الآيات ، أو كفروا تلك النعمة العظيمة.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(٥٧)
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في سائر ما أمركم به ولا يبعد عطف ذلك على أطيعوا الله فإن الفاصل وعد على المأمور به ، فيكون تكرير الأمر بطاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم للتأكيد وتعليق الرحمة بها أو بالمندرجة هي فيه بقوله : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) كما علق به الهدى.
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) لا تحسبن يا محمّد الكفار معجزين لله عن إدراكهم وإهلاكهم ، و (فِي الْأَرْضِ) صلة (مُعْجِزِينَ). وقرأ ابن عامر وحمزة بالياء على أن الضمير فيه لمحمّدصلىاللهعليهوسلم ، والمعنى كما هو في القراءة بالتاء أو (الَّذِينَ كَفَرُوا) فاعل والمعنى ولا يحسبن الكفار في الأرض أحدا معجزا لله ، فيكون (مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) مفعوليه أو لا يحسبونهم (مُعْجِزِينَ) فحذف المفعول الأول لأن الفاعل والمفعولين لشيء واحد فاكتفى بذكر اثنين عن الثالث. (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) عطف عليه من حيث المعنى كأنه قيل : الذين كفروا ليسوا بمعجزين ومأواهم النار ، لأن المقصود من النهي عن الحسبان تحقيق نفي الإعجاز. (وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) المأوى الّذي يصيرون إليه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٥٨)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) رجوع إلى تتمة الأحكام السالفة بعد الفراغ من الإلهيات الدالة على وجوب الطاعة فيما سلف من الأحكام وغيرها والوعد عليها والوعيد على الإعراض عنها ، والمراد به خطاب الرجال والنساء غلب فيه الرجال لما روي أن غلام أسماء بنت أبي مرثد دخل عليها في وقت كرهته فنزلت. وقيل أرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مدلج بن عمرو الأنصاري وكان غلاما وقت الظهيرة ليدعو عمر ، فدخل وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه فقال عمر رضي الله تعالى عنه : لوددت أن الله عزوجل نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا هذه الساعات علينا إلا بإذن ، ثم انطلق معه إلى النبيصلىاللهعليهوسلم فوجده وقد أنزلت هذه الآية : (وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) والصبيان الذين لم يبلغوا من الأحرار فعبر عن البلوغ بالاحتلام لأنه أقوى دلائله. (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) في اليوم والليلة مرة. (مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ) لأنه وقت القيام من