(تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ) في الدنيا. (خَيْراً مِنْ ذلِكَ) مما قالوا لكن أخره إلى الآخرة لأنه خير وأبقى. (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) بدل من (خَيْراً). (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) عطف على محل الجزاء ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر بالرفع لأن الشرط إذا كان ماضيا جاز في جزائه الجزم والرفع كقوله :
وإنّ أتاه خليل يوم مسغبة |
|
يقول لا غائب مالي ولا حرم |
ويجوز أن يكون استئنافا بوعد ما يكون له في الآخرة ، وقرئ بالنصب على أنه جواب بالواو.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)(١٢)
(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فطعنوا فيك لفقرك ، أو فلذلك كذبوك لا لما تمحلوا من المطاعن الفاسدة ، أو فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك في الآخرة ، أو فلا تعجب من تكذيبهم إياك فإنه أعجب منه. (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) نارا شديدة الاستعار ، وقيل هو اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان.
(إِذا رَأَتْهُمْ) إذا كانت بمرأى منهم كقوله عليهالسلام «لا تتراءى ناراهما» أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز والتأنيث لأنه بمعنى النار أو جهنم. (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) هو أقصى ما يمكن أن يرى منه. (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) صوت تغيظ ، شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه ، هذا وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبنية أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر. وقيل إن ذلك لزبانيتها فنسب إليها على حذف المضاف.
(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً)(١٤)
(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً) في مكان ومنها بيان تقدم فصار حالا. (ضَيِّقاً) لزيادة العذاب فإن الكرب مع الضيق والروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها كعرض السموات والأرض. (مُقَرَّنِينَ) قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل. (دَعَوْا هُنالِكَ) في ذلك المكان. (ثُبُوراً) هلاكا أي يتمنون الهلاك وينادونه فيقولون تعال يا ثبوراه فهذا حينك.
(لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً) أي يقال لهم ذلك. (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) لأن عذابكم أنواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته ، أو لأنه يتجدد لقوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) أو لأنه لا ينقطع فهو في كل وقت ثبور.
(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً)(١٦)
(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) الإشارة إلى العذاب والاستفهام والتفضيل والترديد للتقريع مع التهكم أو إلى ال (كَنْزٌ) وال (جَنَّةٌ) ، والراجع إلى الموصول محذوف وإضافة ال (جَنَّةُ) إلى (الْخُلْدِ) للمدح أو للدلالة على خلودها ، أو التمييز عن جنات الدنيا. (كانَتْ لَهُمْ) في علم الله أو اللوح ، أو لأن ما وعده الله تعالى في تحققه كالواقع. (جَزاءً) على أعمالهم بالوعد. (وَمَصِيراً) ينقلبون إليه ، ولا يمنع كونها جزاء لهم أن يتفضل بها على غيرهم برضاهم مع جواز أن يراد بالمتقين من يتقي الكفر والتكذيب