(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ) كذب مصروف عن وجهه. (افْتَراهُ) اختلقه. (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) أي اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم وهو يعبر عنها بعبارته ، وقيل جبر ويسار وعداس وقد سبق في قوله (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ). (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً) بجعل الكلام المعجز (إِفْكٌ) مختلقا متلقفا من اليهود. (وَزُوراً) بنسبة ما هو بريء منه إليه وأتى وجاء يطلقان بمعنى فعل فيعديان تعديته.
(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)(٦)
(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ما سطره المتقدمون. (اكْتَتَبَها) كتبها لنفسه أو استكتبها ، وقرئ على البناء للمفعول لأنه أمي وأصله : اكتتبها كاتب له ، فحذف اللام وأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب ثم حذف الفاعل وبني الفعل للضمير فاستتر فيه. (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ليحفظها فإنه أمي لا يقدر أن يكرر من الكتاب أو لتكتب.
(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأنه أعجزكم عن اخركم بفصاحته وتضمنه أخبارا عن مغيبات مستقبلة وأشياء مكنونة لا يعلمها إلا عالم الأسرار فكيف تجعلونه (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) فلذلك لا يعجل في عقوبتكم على ما تقولون مع كمال قدرته عليها واستحقاقكم أن يصب عليكم العذاب صبا.
(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً(٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً)(٨)
(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ) ما لهذا الّذي يزعم الرسالة وفيه استهانة وتهكم. (يَأْكُلُ الطَّعامَ) كما نأكل. (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) لطلب المعاش كما نمشي ، والمعنى إن صح دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا ، وذلك لعمههم وقصور نظرهم على المحسوسات فإن تميز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية وإنما هو بأحوال نفسانية كما أشار إليه تعالى بقوله (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) لنعلم صدقه بتصديق الملك.
(أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) فيستظهر به ويستغني عن تحصيل المعاش. (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) هذا على سبيل التنزل أي إن لم يلق إليه كنز فلا أقل من أن يكون له بستان كما للدهاقين والمياسير فيتعيش بريعه ، وقرأ حمزة والكسائي بالنون والضمير للكفار. (وَقالَ الظَّالِمُونَ) وضع (الظَّالِمُونَ) موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالظلم فيما قالوه. (إِنْ تَتَّبِعُونَ) ما تتبعون. (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) سحر فغلب على عقله ، وقيل ذا سحر وهو الرئة أي بشرا لا ملكا.
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)(١٠)
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي قالوا فيك الأقوال الشاذة واخترعوا لك الأحوال النادرة. (فَضَلُّوا) عن الطريق الموصل إلى معرفة خواص النبي والمميز بينه وبين المتنبي فخبطوا خبط عشواء. (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) إلى القدح في نبوتك أو إلى الرشد والهدى.