فيها حبيبا النجار ، وقيل هم أصحاب حنظلة بن صفوان النبي ابتلاهم الله تعالى بطير عظيم كان فيها من كل لون ، وسموها عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الّذي يقال له فتخ أو دمخ وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد ، ولذلك سميت مغربا فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ثم أنهم قتلوه فأهلكوا. وقيل هم قوم كذبوا نبيهم ورسوه أي دسوه في بئر. (وَقُرُوناً) وأهل أعصار قيل القرن أربعون سنة وقيل سبعون وقيل مائة وعشرون. (بَيْنَ ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر. (كَثِيراً) لا يعلمها إلا الله.
(وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين إنذارا وإعذارا فلما أصروا أهلكوا كما قال : (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) فتتناه تفتيتا ومنه التبر لفتات الذهب والفضة ، (وَكُلًّا) الأول منصوب بما دل عليه (ضَرَبْنا) كأنذرنا والثاني ب (تَبَّرْنا) لأنه فارغ.
(وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً)(٤٠)
(وَلَقَدْ أَتَوْا) يعني قريشا مروا مرارا في متاجرهم إلى الشام. (عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) يعني سدوم عظمى قرى قوم لوط أمطرت عليها الحجارة. (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) في مرار مرورهم فيتعظوا بما يرون فيها من آثار عذاب الله. (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) بل كانوا كفرة لا يتوقعون نشورا ولا عاقبة فلذلك لم ينظروا ولم يتعظوا فمروا بها كما مرت ركابهم ، أو لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون طمعا في الثواب ، أو لا يخافونه على اللغة التهامية.
(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً)(٤٢)
(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) ما يتخذونك إلا موضع هزء أو مهزوءا به. (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) محكي بعد قول مضمر والإشارة للاستحقار ، وإخراج بعث الله رسولا في معرض التسليم يجعله صلة وهم على غاية الإنكار تهكم واستهزاء ولولاه لقالوا أهذا الّذي زعم أنه بعثه الله رسولا.
(إِنْ) إنه (كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا) ليصرفنا عن عبادتها بفرط اجتهاده في الدعاء إلى التوحيد وكثرة ما يوردها مما يسبق إلى الذهن بأنها حجج ومعجزات. (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) ثبتنا عليها واستمسكنا بعبادتها و (لَوْ لا) في مثله تقيد الحكم المطلق من حيث المعنى دون اللفظ. (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) كالجواب لقولهم (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) فإنه يفيد نفي ما يلزمه ويكون الموجب له ، وفيه وعيد ودلالة على أنه لا يهملهم وإن أمهلهم.
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)(٤٤)
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) بأن أطاعه وبنى عليه دينه لا يسمع حجة ولا يبصر دليلا ، وإنما قدم المفعول الثاني للعناية به. (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) حفيظا تمنعه عن الشرك والمعاصي وحاله هذا فالاستفهام الأول للتقرير والتعجيب والثاني للإنكار.
(أَمْ تَحْسَبُ) بل أتحسب. (أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ) فتجدي لهم الآيات أو الحجج فتهتم بشأنهم وتطمع في إيمانهم ، وهو أشد مذمة مما قبله حتى حق بالإضراب عنه إليه ، وتخصيص الأكثر لأنه كان