(كَلَّا) كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت والّذي طلبته. (إِنَّا مَعَكُمْ) يعني موسى وهارون وفرعون. (مُسْتَمِعُونَ) سامعون لما يجري بينكما وبينه فأظهر كما عليه ، مثل نفسه تعالى بمن حضر مجادلة قوم استماعا لما يجري بينهم وترقبا لإمداد أوليائه منهم ، مبالغة في الوعد بالإعانة ، ولذلك تجوز بالاستماع الّذي هو بمعنى الإصغاء للسمع الّذي هو مطلق إدراك الحروف والأصوات ، وهو خبر ثان أو الخبر وحده (مَعَكُمْ) لغو.
(فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) أفرد الرسول لأنه مصدر وصف به فإنه مشترك بين المرسل والرسالة ، قال الشاعر :
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم |
|
بسرّ ولا أرسلتهم برسول |
ولذلك ثنى تارة وأفرد أخرى ، أو لاتحادهما للأخوة أو لوحدة المرسل والمرسل به ، أو لأنه أراد أن كل واحد منا.
(أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال المتضمن معنى القول ، والمراد خلهم ليذهبوا معنا إلى الشام.
(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ)(١٩)
(قالَ) أي فرعون لموسى بعد ما أتياه فقالا له ذلك. (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا) في منازلنا. (وَلِيداً) طفلا سمي به لقربه من الولادة. (وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله ثلاثين ، ثم بقي بعد الغرق خمسين.
(وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) يعني قتل القبطي ، وبخه به معظما إياه بعد ما عدد عليه نعمته ، وقرئ فعلتك بالكسر لأنها كانت قتلة بالوكز. (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) بنعمتي حتى عمدت إلى قتل خواصي ، أو ممن تكفرهم الآن فإنه عليهالسلام كان يعايشهم بالتقية فهو حال من إحدى التاءين ، ويجوز أن يكون حكما مبتدأ عليه بأنه من الكافرين بآلهيته أو بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة ، أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم.
(قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(٢٢)
(قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) من الجاهلين وقد قرئ به ، والمعنى من الفاعلين فعل أولي الجهل والسفه ، أو من الخاطئين لأنه لم يتعمد قتله ، أو من الذاهلين عما يؤول إليه الوكز لأنه أراد به التأديب ، أو الناسين من قوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما).
(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) حكمة. (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) رد أولا بذلك ما وبخه به قدحا في نبوته ثم كر على ما عد عليه من النعمة ولم يصرح برده لأنه كان صدقا غير قادح في دعواه ، بل نبه على أنه كان في الحقيقة نقمة لكونه مسببا عنها فقال.
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي وتلك التربية نعمة تمنها علي ظاهرا ، وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل وقصدهم بذبح أبنائهم ، فإنه السبب في وقوعي إليك وحصولي في تربيتك. وقيل إنه مقدر بهمزة الإنكار أي أو تلك نعمة تمنها علي وهي (أَنْ عَبَّدْتَ) ، ومحل (أَنْ عَبَّدْتَ) الرفع على أنه خبر محذوف أو بدل (نِعْمَةٌ) أو الجر بإضمار الباء أو النصب بحذفها. وقيل تلك إشارة إلى خصلة شنعاء