ترجيح لجانب الوعد.
(وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أين ألهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم. (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع العذاب عنكم. (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) بدفعه عن أنفسهم لأنهم وآلهتهم يدخلون النار كما قال :
(فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ)(٩٥)
(فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ) أي الآلهة وعبدتهم ، والكبكبة تكرير الكب لتكرير معناه كأن من ألقي في النار ينكب مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها.
(وَجُنُودُ إِبْلِيسَ) متبعوه من عصاة الثقلين ، أو شياطينه. (أَجْمَعُونَ) تأكيد لل (جُنُودُ) إن جعل مبتدأ خبره ما بعده أو للضمير وما عطف عليه وكذا الضمير المنفصل وما يعود إليه في قوله :
(قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٩٨)
(قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) على أن الله ينطق الأصنام فتخاصم العبدة ويؤيده الخطاب في قوله :
(إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي في استحقاق العبادة ، ويجوز أن تكون الضمائر للعبدة كما في (قالُوا) والخطاب للمبالغة في التحسر والندامة ، والمعنى أنهم مع تخاصمهم في مبدأ ضلالهم معترفون بانهماكهم في الضلالة متحسرون عليها.
(وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(١٠٢)
(وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء.
(وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) إذ الأخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلّا المتقين ، أو فما لنا من شافعين ولا صديق ممن نعدهم شفعاء وأصدقاء ، أو وقعنا في مهلكة لا يخلصنا منها شافع ولا صديق ، وجمع الشافع ووحد ال (صَدِيقٍ) لكثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق ، أو لأن ال (صَدِيقٍ) الواحد يسعى أكثر مما يسعى الشفعاء ، أو لإطلاق ال (صَدِيقٍ) على الجمع كالعدو لأنه في الأصل مصدر كالحنين والصهيل.
(فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) تمن للرجعة أقيم فيه «لو» مقام ليت لتلاقيهما في معنى التقدير ، أو شرط حذف جوابه. (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) جواب التمني أو عطف على (كَرَّةً) أي : لو أن لنا أن نكر فنكون من المؤمنين.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١٠٤)
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر من قصة إبراهيم. (لَآيَةً) لحجة وعظة لمن أراد أن يستبصر بها ويعتبر ، فإنها جاءت على أنظم ترتيب وأحسن تقرير ، يتفطن المتأمل فيها لغزارة علمه لما فيها من الإشارة إلى أصول العلوم الدينية والتنبيه على دلائلها وحسن دعوته للقوم وحسن مخالقته معهم وكمال إشفاقه عليهم وتصور الأمر في نفسه ، وإطلاق الوعد والوعيد على سبيل الحكاية تعريضا وإيقاظا لهم ليكون أدعى لهم إلى الاستماع والقبول. (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أكثر قومه. (مُؤْمِنِينَ) به.