تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٦٣)
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) المضطر الّذي أحوجه شدة ما به إلى اللجإ إلى الله تعالى من الاضطرار ، وهو افتعال من الضرورة واللام فيه للجنس لا للاستغراق فلا يلزم منه إجابة كل مضطر. (وَيَكْشِفُ السُّوءَ) ويدفع عن الإنسان ما يسوءه. (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) خلفاء فيها بأن ورثكم سكناها والتصرف فيها ممن قبلكم. (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) الّذي خصكم بهذه النعم العامة والخاصة. (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أي تذكرون آلاءه تذكرا قليلا ، وما مزيدة والمراد بالقلة العدم أو الحقارة المزيحة للفائدة. وقرأ أبو عمرو وهشام وروح بالياء وحمزة والكسائي وحفص بالتاء وتخفيف الذال.
(أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) بالنجوم وعلامات الأرض ، وال (ظُلُماتِ) ظلمات الليالي وإضافتها إلى (الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) للملابسة ، أو مشتبهات الطرق يقال طريقة ظلماء وعمياء للتي لا منار بها. (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يعني المطر ، ولو صح أن السبب الأكثر في تكون الرياح معاودة الأدخنة الصاعدة من الطبقة الباردة لانكسار حرها وتمويجها الهواء فلا شك أن الأسباب الفاعلية والقابلية لذلك من خلق الله تعالى ، والفاعل للسبب فعل للمسبب. (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يقدر على مثل ذلك. (تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) تعالى الله القادر الخالق عن مشاركة العاجز المخلوق.
(أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٦٤)
(أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) والكفرة وإن أنكروا الإعادة فهم محجوجون بالحجج الدالة عليها. (وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي بأسباب سماوية وأرضية. (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يفعل ذلك. (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على أن غيره يقدر على شيء من ذلك. (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في إشراككم فإن كمال القدرة من لوازم الألوهية.
(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)(٦٥)
(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة أتبعه ما هو كاللازم له ، وهو التفرد بعلم الغيب والاستثناء منقطع ، ورفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على أنه تعالى إن كان ممن في السموات والأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم ، أو متصل على أن المراد ممن في السموات والأرض من تعلق علمه بها واطلع عليها اطلاع الحاضر فيها ، فإنه يعم الله تعالى وأولي العلم من خلقه وهو موصول أو موصوف. (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) متى ينشرون مركبة من «أي» «وآن» ، وقرئت بكسر الهمزة والضمير لمن وقيل للكفرة.
(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ)(٦٦)
(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) لما نفى عنهم علم الغيب وأكد ذلك بنفي شعورهم بما هو مآلهم لا محالة بالغ فيه ، بأن أضرب عنه وبين أن ما انتهى وتكامل فيه أسباب علمهم من الحجج والآيات وهو أن القيامة كائنة لا محالة لا يعلمونه كما ينبغي. (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلا. (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم ، وهذا وإن اختص بالمشركين ممن في السموات