والأرض نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل ، والإضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم ، وقيل الأول إضراب عن نفي الشعور بوقت القيامة عنهم إلى وصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكما بهم ، وقيل أدرك بمعنى انتهى واضمحل من قولهم أدركت الثمرة لأن تلك غايتها الّتي عندها تعدم. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص (بَلِ ادَّارَكَ) بمعنى تتابع حتى استحكم ، أو تتابع حتى انقطع من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك ، وأبو بكر «ادّرك» وأصلهما تفاعل وافتعل. وقرئ «أأدرك» و «أم أدرك» بهمزتين «وءاأدرك» بألف بينهما و «بل أدرك» و «بل تدارك» و «بلى أأدرك» و «بلى أأدرك» و «أم أدرك» و «أم تدارك» ، وما فيه استفهام صريح أو مضمن من ذلك فإنكار وما فيه بلى فإثبات لشعورهم وتفسير له بالإدراك على التهكم ، وما بعده إضراب عن التفسير مبالغة في نفيه ودلالة على أن شعورهم بها أنهم شاكون فيها (بَلِ) إنهم (مِنْها عَمُونَ) أو رد وإنكار لشعورهم.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٦٨)
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) كالبيان لعمههم والعامل في إذا ما دل عليه (أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) ، وهو نخرج لا مخرجون لأن كلا من الهمزة وإن واللام مانعة من عمله فيما قبلها ، وتكرير الهمزة للمبالغة في الإنكار ، والمراد بالإخراج الإخراج من الأجداث أو من حال الفناء إلى الحياة ، وقرأ نافع «إذا كنا» بهمزة واحدة مكسورة ، وقرأ ابن عامر والكسائي «إننا لمخرجون» بنونين على الخبر.
(لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) من قبل وعد محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وتقديم هذا على نحن لأن المقصود بالذكر هو البعث وحيث أخر فالمقصود به المبعوث. (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) الّتي هي كالأسمار.
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)(٧٠)
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) تهديد لهم على التكذيب وتخويف بأن ينزل بهم مثل ما نزل بالمكذبين قبلهم ، والتعبير عنهم ب (الْمُجْرِمِينَ) ليكون لطفا بالمؤمنين في ترك الجرائم.
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) على تكذبيهم وإعراضهم. (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ) في حرج صدر ، وقرأ ابن كثير بكسر الضاد وهما لغتان ، وقرئ ضيق أي أمر ضيق. (مِمَّا يَمْكُرُونَ) من مكرهم فإن الله يعصمك من الناس.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ)(٧٢)
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) العذاب الموعود. (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
(قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) تبعكم ولحقكم ، واللام مزيدة للتأكيد أو الفعل مضمن معنى فعل يتعدى باللام مثل دنا. وقرئ بالفتح وهو لغة فيه. (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) حلوله وهو عذاب يوم بدر ، وعسى ولعل وسوف في مواعيد الملوك كالجزم بها وإنما يطلقونها إظهارا لوقارهم وإشعارا بأن الرمز منهم كالتصريح من غيرهم وعليه جرى وعد الله تعالى ووعيده.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ