والبعث والحساب والجزاء على تمثيل حاله بحال عبد قدم على سيده بعد زمان مديد وقد اطلع السيد على أحواله ، فإما أن يلقاه ببشر لما رضي من أفعاله أو بسخط لما سخط منها. (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ) فإن الوقت المضروب للقائه. (لَآتٍ) لجاء وإذا كان وقت اللقاء آتيا كان اللقاء كائنا لا محالة ، فليبادر ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو ما يستوجب به القربة والرضا. (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوال العباد. (الْعَلِيمُ) بعقائدهم وأفعالهم.
(وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ)(٧)
(وَمَنْ جاهَدَ) نفسه بالصبر على مضض الطاعة والكف عن الشهوات. (فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) لأن منفعته لها. (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) فلا حاجة به إلى طاعتهم ، وإنما كلف عباده رحمة عليهم ومراعاة لصلاحهم.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) الكفر بالإيمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات. (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي أحسن جزاء أعمالهم.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)(٩)
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) بإيتائهما فعلا ذا حسن ، أو كأنه في ذاته حسن لفرط حسنه ووصى يجري مجرى أمر معنى وتصرفا ، وقيل هو بمعنى قال ، أي وقلنا له أحسن بوالديك (حُسْناً) ، وقيل (حُسْناً) منتصب بفعل مضمر على تقدير قول مفسر للتوصية أي قلنا أولهما أو افعل بهما (حُسْناً) وهو أوفق لما بعده وعليه يحسن الوقف على (بِوالِدَيْهِ) ، وقرئ (حُسْناً) و «إحسانا». (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) بإلهيته عبر عن نفيها بنفي العلم بها إشعارا بأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فضلا عما علم بطلانه. (فَلا تُطِعْهُما) في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل. (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) مرجع من آمن منكم ومن أشرك ومن بر بوالديه ومن عق. (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالجزاء عليه ، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة ، فإنها لما سمعت بإسلامه حلفت أنها لا تنتقل من الضح ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد ولبثت ثلاثة أيام كذلك وكذا الّتي في «لقمان» و «الأحقاف».
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) في جملتهم والكمال في الصلاح منتهى درجات المؤمنين ومتمنى أنبياء الله المرسلين ، أو في مدخلهم وهو الجنة.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ)(١١)
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) بأن عذبهم الكفرة على الإيمان. (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) ما يصيبه من أذيتهم في الصرف عن الإيمان. (كَعَذابِ اللهِ) في الصرف عن الكفر. (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) فتح وغنيمة. (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) في الدين فأشركونا فيه ، والمراد المنافقون أو قوم ضعف إيمانهم