الشريفة على أمّيّ لم يعرف بالقراءة والتعلم خارق للعادة ، وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي ونفي للتجوز في الإسناد. (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا لعله تعلمه أو التقطه من كتب الأولين الأقدمين ، وإنما سماهم مبطلين لكفرهم أو لارتيابهم بانتفاء وجه واحد من وجوه الإعجاز المتكاثرة ، وقيل لارتاب أهل الكتاب لوجدانهم نعتك على خلاف ما في كتبهم فيكون إبطالهم باعتبار الواقع دون المقدر.
(بَلْ هُوَ) بل القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يحفظونه لا يقدر أحد على تحريفه. (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) المتوغلون في الظلم بالمكابرة بعد وضوح دلائل إعجازها حتى لم يعتدوا بها.
(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٥١)
وقالوا لو لا أنزل عليه آية من ربّه مثل ناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى ، وقرأ نافع وابن عامر والبصريان وحفص (آياتٌ). (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ينزلها كما يشاء لست أملكها فآتيكم بما تقترحونه. (إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ليس من شأني إلا الإنذار وإبانته بما أعطيت من الآيات. (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) آية مغنية عما اقترحوه. (أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) تدوم تلاوته عليهم متحدين به فلا يزال معهم آية ثابتة لا تضمحل بخلاف سائر الآيات ، أو يتلى عليهم يعني اليهود بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك. (إِنَّ فِي ذلِكَ) الكتاب الّذي هو آية مستمرة وحجة مبينة. (لَرَحْمَةً) لنعمة عظيمة. (وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وتذكرة لمن همه الإيمان دون التعنت. وقيل إن أناسا من المسلمين أتوا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بكتف كتب فيها بعض ما يقول اليهود ، «فقال كفى بها ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم» فنزلت.
(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٥٣)
(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) بصدقي وقد صدقني بالمعجزات ، أو بتبليغي ما أرسلت به إليكم ونصحي ومقابلتكم إياي بالتكذيب والتعنت. (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلا يخفي عليه حالي وحالكم. (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) وهو ما يعبد من دون الله. (وَكَفَرُوا بِاللهِ) منكم. (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) بقولهم : أمطر (عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ). (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) لكل عذاب أو قوم. (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) عاجلا. (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) فجأة في الدنيا كوقعة بدر أو الآخرة عند نزول الموت بهم. (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه.
(يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٥)
(يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب ، أو هي كالمحيطة