(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(٦٣)
(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) يحتمل أن يكون الموسع له والمضيق عليه واحدا على أن البسط والقبض على التعاقب وألا يكون على وضع الضمير موضع من يشاء وإبهامه لأن من يشاء مبهم. (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم مصالحهم ومفاسدهم.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ) معترفين بأنه الموجد للممكنات بأسرها أصولها وفروعها ، ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته الّذي لا يقدر على شيء من ذلك. (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ما عصمك من مثل هذه الضلالة ، أو على تصديقك وإظهار حجتك. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) فيتناقضون حيث يقرون بأنه المبدئ لكل ما عداه ثم إنهم يشركون به الصنم ، وقيل لا يعقلون ما تريد بتحميدك عند مقالهم.
(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(٦٤)
(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا) إشارة تحقير وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة. (إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين. (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) لهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت عليها ، أو هي في ذاتها حياة للمبالغة ، و (الْحَيَوانُ) مصدر حين سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ها هنا. (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لم يؤثروا عليها الدنيا الّتي أصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال.
(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(٦٦)
(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) متصل بما دل عليه شرح حالهم أي هم على ما وصفوا به من الشرك فإذا ركبوا البحر. (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) كائنين في صورة من أخلص دينه من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون سواه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو. (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) فاجؤوا المعاودة إلى الشرك.
(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) اللام فيه لام كي أي يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة. (وَلِيَتَمَتَّعُوا) باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادهم عليها ، أو لام الأمر على التهديد ويؤيده قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وقالون عن نافع (وَلِيَتَمَتَّعُوا) بالسكون. (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة ذلك حين يعاقبون.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) (٦٨)
(أَوَلَمْ يَرَوْا) يعني أهل مكة. (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) أي جعلنا بلدهم مصونا عن النهب والتعدي آمنا