وقرأ حمزة والكسائي فارقوا بمعنى تركوا دينهم الّذي أمروا به. (وَكانُوا شِيَعاً) فرقا تشايع كل إمامها الّذي أضل دينها. (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) مسرورون ظنا بأنه الحق ، ويجوز أن يجعل فرحون صفة كل على أن الخبر (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا).
(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ)(٣٥)
(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) شدة. (دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) راجعين إليه من دعاء غيره. (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) خلاصا من تلك الشدة. (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) فاجأ فريق منهم بالإشراك بربهم الّذي عافاهم.
(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) اللام فيه للعاقبة وقيل للأمر بمعنى التهديد لقوله : (فَتَمَتَّعُوا) غير أنه التفت فيه مبالغة وقرئ و «ليتمتعوا». (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة تمتعكم ، وقرئ بالياء التحتية على أن تمتعوا ماض.
(أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) حجة وقيل ذا سلطان أي ملكا معه برهان. (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) تكلم دلالة كقوله (كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) أو نطق. (بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) بإشراكهم وصحته ، أو بالأمر الّذي بسببه يشركون به في ألوهيته.
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٣٧)
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) نعمة من صحة وسعة. (فَرِحُوا بِها) بطروا بسببها. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) شدة. (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بشؤم معاصيهم. (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) فاجؤوا القنوط من رحمته وقرأ الكسائي وأبو عمرو بكسر النون.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) فما لهم لم يشكروا ولم يحتسبوا في السراء والضراء كالمؤمنين. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فيستدلون بها على كمال القدرة والحكمة.
(فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٣٨)
(فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) كصلة الرحم ، واحتج به الحنفية على وجوب النفقة للمحارم وهو غير مشعر به. (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) ما وظف لهما من الزكاة ، والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو لمن بسط له ولذلك رتب على ما قبله بالفاء. (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) ذاته أو جهته أي يقصدون بمعروفهم إياه خالصا ، أو جهة التقرب إليه لا جهة أخرى. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) حيث حصلوا بما بسط لهم النعيم المقيم.
(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)(٣٩)
(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً) زيادة محرمة في المعاملة أو عطية يتوقع بها مزيد مكافأة ، وقرأ ابن كثير بالقصر بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا. (لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) ليزيد ويزكو في أموالهم. (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) فلا