كان فيه ما يخشى ، والواو للحال ، وليست المعاتبة على الإخفاء وحده فإنه حسن بل على الإخفاء مخافة قالة الناس وإظهار ما ينافي إضماره ، فإن الأولى في أمثال ذلك أن يصمت أو يفوض الأمر إلى ربه. (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها. (زَوَّجْناكَها) وقيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق مثل لا حاجة لي فيك. وقرئ «زوجتكها» ، والمعنى أنه أمر بتزويجها منه أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد. ويؤيده أنها كانت تقول لسائر نساء النبي صلىاللهعليهوسلم : إن الله تعالى تولى إنكاحي وأنتن زوجكن أولياؤكن. وقيل كان زيد السفير في خطبتها وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بين على قوة إيمانه. (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) علة للتزويج ، وهو دليل على أن حكمه وحكم الأمة واحد إلا ما خصه الدليل (وَكانَ أَمْرُ اللهِ) أمره الّذي يريده (مَفْعُولاً) مكونا لا محالة كما كان تزويج زينب.
(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً)(٣٩)
(ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) قسم له وقدر من قولهم فرض له في الديوان ، ومنه فروض العسكر لأرزاقهم. (سُنَّةَ اللهِ) سن ذلك سنة. (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) من الأنبياء ، وهو نفي الحرج عنهم فيما أباح لهم. (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) قضاء مقضيا وحكما مبتوتا.
(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) صفة للذين خلوا أو مدح لهم منصوب أو مرفوع ، وقرئ «رسالة الله». (وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) تعريض بعد تصريح. (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) كافيا للمخاوف أو محاسبا فينبغي أن لا يخشى إلا منه.
(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٤٠)
(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) على الحقيقة فيثبت بينه وبينه ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها ، ولا ينتقض عمومه بكونه أبا للطاهر والقاسم وإبراهيم لأنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم. (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) وكل رسول أبو أمته لا مطلقا بل من حيث إنه شفيق ناصح لهم ، واجب التوقير والطاعة عليهم وزيد منهم ليس بينه وبينه ولادة. وقرئ «رسول الله» بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ولكن بالتشديد على حذف الخبر أي (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) من عرفتم أنه لم يعش له ولد ذكر. (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) وآخرهم الّذي ختمهم أو ختموا به على قراءة عاصم بالفتح ، ولو كان له ابن بالغ لاق بمنصبه أن يكون نبيا كما قال عليه الصلاة والسلام في إبراهيم حين توفي : لو عاش لكان نبيا ، ولا يقدح فيه نزول عيسى بعده لأنه إذا نزل كان على دينه ، مع أن المراد منه أنه آخر من نبىء. (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة وكيف ينبغي شأنه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)(٤٢)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) يغلب الأوقات ويعم الأنواع بما هو أهله من التقديس والتحميد والتهليل والتمجيد.
(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أول النهار وآخره خصوصا ، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات لكونهما مشهودين كإفراد التسبيح من جملة الأذكار لأنه العمدة فيها. وقيل الفعلان موجهان