(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) علة لقوله (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) وبيان لما يقتضي إتيانها. (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) لا تعب فيه ولا من عليه.
(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) بإبطال وتزهيد الناس فيها. (مُعاجِزِينَ) مسابقين كي يفوتونا. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو معجزين أي مثبطين عن الإيمان من أراده. (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) من سيّئ العذاب. (أَلِيمٌ) مؤلم ، ورفعه ابن كثير ويعقوب وحفص.
(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(٦)
(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ويعلم أولو العلم من الصحابة ومن شايعهم من الأمة ، أو من مسلمي أهل الكتاب. (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) القرآن. (هُوَ الْحَقَ) ومن رفع (الْحَقَ) جعل هو مبتدأ و (الْحَقَ) خبره والجملة ثاني مفعولي (يَرَى) ، وهو مرفوع مستأنف للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات. وقيل منصوب معطوف على (لِيَجْزِيَ) أي وليعلم أولو العلم عند مجيء الساعة أنه الحق عيانا كما علموه الآن برهانا (وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) الّذي هو التوحيد والتدرع بلباس التقوى.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ)(٨)
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال بعضهم لبعض. (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) يعنون محمّدا عليه الصلاة والسلام. (يُنَبِّئُكُمْ) يحدثكم بأعجب الأعاجيب. (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) إنكم تنشؤون خلقا جديدا بعد أن تمزق أجسادكم كل تمزيق وتفريق بحيث تصير ترابا ، وتقديم الظرف للدلالة على البعد والمبالغة فيه ، وعامله محذوف دل عليه ما بعده فإن ما قبله لم يقارنه وما بعده مضاف إليه ، أو محجوب بينه وبينه بأن و (مُمَزَّقٍ) يحتمل أن يكون مكانا بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم السيول كل مذهب وطرحتم كل مطرح و (جَدِيدٍ) بمعنى فاعل من جد كحديد من حد ، وقيل بمعنى مفعول من جد النساج الثوب إذا قطعه.
(أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه ، واستدل بجعلهم إياه قسيم الافتراء غير معتقدين صدقه على أن بين الصدق والكذب واسطة ، وهو كل خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه وضعفه بين لأن الافتراء أخص من الكذب. (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) رد من الله تعالى عليهم ترديدهم وإثبات لهم ما هو أفظع من القسمين ، وهو الضلال البعيد عن الصواب بحيث لا يرجى الخلاص منه وما هو مؤداه من العذاب ، وجعله رسيلا له في الوقوع ومقدما عليه في اللفظ للمبالغة في استحقاقهم له ، والبعد في الأصل صفة الضال ووصف الضلال به على الإسناد المجازي.
(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)(٩)
(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) تذكير بما يعاينونه مما يدل على كمال قدرة الله وما يحتمل فيه إزاحة لاستحالتهم الإحياء حتى جعلوه افتراء وهزءا ، وتهديدا عليها والمعنى أعموا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض ولم يتفكروا أهم أشد خلقا ، أم السماء ، وإنا (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً) ، لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات. وقرأ حمزة والكسائي يشأ ويخسف ويسقط بالياء لقوله : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ). والكسائي وحده بإدغام الفاء في الباء وحفص (كِسَفاً) بالتحريك. (إِنَّ فِي ذلِكَ) النظر والتفكر فيهما