لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى إشراك غيره به ، ورفع (غَيْرُ) للحمل على محل (مِنْ خالِقٍ) بأنه وصف أو بدل ، فإن الاستفهام بمعنى النفي ، أو لأنه فاعل (خالِقٍ) وجره حمزة والكسائي حملا على لفظه ، وقد نصب على الاستثناء ، و (يَرْزُقُكُمْ) صفة ل (خالِقٍ) أو استئناف مفسر له أو كلام مبتدأ ، وعلى الأخير يكون إطلاق (هَلْ مِنْ خالِقٍ) مانعا من إطلاقه على غير الله.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) أي فتأس بهم في الصبر على تكذيبهم ، فوضع (فَقَدْ كُذِّبَتْ) موضعه استغناء بالسبب عن المسبب ، وتنكير رسل للتعظيم المقتضي زيادة التسلية والحث على المصابرة. (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيجازيك وإياهم على الصبر والتكذيب.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ)(٦)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالحشر والجزاء. (حَقٌ) لا خلف فيه. (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها. (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية ، فإنها وإن أمكنت لكن الذنب بهذا التوقع كتناول السم اعتمادا على دفع الطبيعة. وقرئ بالضم وهو مصدر أو جمع كقعود.
(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) عداوة عامة قديمة. (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) في عقائدكم وأفعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم. (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) تقرير لعداوته وبيان لغرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى الدنيا.
(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ)(٨)
(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وعيد لمن أجاب دعاءه ووعد لمن خالفه وقطع للأماني الفارغة ، وبناء للأمر كله على الإيمان والعمل الصالح وقوله.
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) تقرير له أي أفمن زين له سوء عمله بأن غلب وهمه وهواه على عقله حتى انتكس رأيه فرأى الباطل حقا والقبيح حسنا ، كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه ، فحذف الجواب لدلالة : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وقيل تقديره أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة ، فحذف الجواب لدلالة : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) عليه ومعناه فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب ، والفاآت الثلاث للسببية غير أن الأوليين دخلتا على السبب والثالثة دخلت على المسبب ، وجمع الحسرات للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم أو كثرة مساوي أفعالهم المقتضية للتأسف ، وعليهم ليس صلة لها لأن صلة المصدر لا تتقدمه بل صلة تذهب أو بيان للمتحسر عليه. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) فيجازيهم عليه.
(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ)(٩)
(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح. (فَتُثِيرُ سَحاباً) على حكاية الحال