من عقاب الله تعالى واقتصاص فرعون بالمغفرة والأمن منه بالهجرة إلى مدين. (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) وابتليناك ابتلاء ، أو أنواعا من الابتلاء على أنه جمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداد بالتاء كحجوز وبدور في حجزة وبدرة ، فخلصناك مرة بعد أخرى وهو إجمال لما ناله في سفره من الهجرة عن الوطن ومفارقة الألّاف ، والمشي راجلا على حذر وفقد الزاد وأجر نفسه إلى غير ذلك أوله ولما سبق ذكره. (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) لبثت فيهم عشر سنين قضاء لأوفى الأجلين ، ومدين على ثمان مراحل من مصر. (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ) قدرته لأن أكلمك وأستنبئك غير مستقدم وقته المعين ولا مستأخر ، أو على مقدار من السن يوحى فيه إلى الأنبياء. (يا مُوسى) كرره عقيب ما هو غاية الحكاية للتنبيه على ذلك.
(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي)(٤٢)
(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) واصطفيتك لمحبتي مثله فيما خوله من الكرامة بمن قربه الملك واستخلصه لنفسه.
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) بمعجزاتي. (وَلا تَنِيا) ولا تفترا ولا تقصرا ، وقرئ (تَنِيا) بكسر التاء. (فِي ذِكْرِي) لا تنسياني حيثما تقلبتما. وقيل في تبليغ ذكري والدعاء إليّ.
(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(٤٤)
(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) أمر به أولا موسى عليه الصلاة والسلام وحده وهاهنا إياه وأخاه فلا تكرير. قيل أوحى إلى هارون أن يتلقى موسى ، وقيل سمع بمقبله فاستقبله.
(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) مثل (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) فإنه دعوة في صورة عرض ومشورة حذرا أن تحمله الحماقة على أن يسطو عليكما ، أو احتراما لما له من حق التربية عليك. وقيل كنياه وكان له ثلاث كنى : أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة. وقيل عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا يزول إلا بالموت. (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) متعلق ب (اذْهَبا) أو «قولا» أي : باشرا الأمر على رجائكما. وطمعكما أنه يثمر ولا يخيب سعيكما ، فإن الراجي مجتهد والآيس متكلف ، والفائدة في إرسالهما والمبالغة عليهما في الاجتهاد مع علمه بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة وإظهار ما حدث في تضاعيف ذلك من الآيات والتذكر للمتحقق والخشية للمتوهم ، ولذلك قدم الأول أي إن لم يتحقق صدقكما ولم يتذكر فلا أقل من أن يتوهمه فيخشى.
(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى)(٤٦)
(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة ، من فرط إذا تقدم ومنه الفارط وفرس فرط يسبق الخيل. وقرئ «يفرط» من أفرطته إذا حملته على العجلة ، أي نخاف أن يحمله حامل من استكبار أو خوف على الملك أو شيطان إنسي أو جني على المعاجلة بالعقاب ، و «يفرط» من الإفراط في الأذية. (أَوْ أَنْ يَطْغى) أو أن يزداد طغيانا فيتخطى إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجراءته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب.
(قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما) بالحفظ والنصر. (أَسْمَعُ وَأَرى) ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل ، فأحدث في كل ما يصرف شره عنكما ويوجب نصرتي لكما ، ويجوز أن لا يقدر شيء على معنى إنني حافظكما سامعا ومبصرا ، والحافظ إذا كان قادرا سميعا بصيرا تم الحفظ.