(إِنَّما إِلهُكُمُ) المستحق لعبادتكم. (اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إذ لا أحد يماثله أو يدانيه في كمال العلم والقدرة. (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) وسع علمه كل ما يصح أن يعلم لا العجل الّذي يصاغ ويحرق وإن كان حيا في نفسه كان مثلا في الغباوة ، وقرئ (وَسِعَ) فيكون انتصاب (عِلْماً) على المفعولية لأنه وإن انتصب على التمييز في المشهورة لكنه فاعل في المعنى فلما عدي الفعل بالتضعيف إلى المفعولين صار مفعولا.
(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً)(٩٩)
(كَذلِكَ) مثل ذلك الاقتصاص يعني اقتصاص قصة موسى عليه الصلاة والسلام. (نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) من أخبار الأمور الماضية والأمم الدارجة تبصرة لك وزيادة في علمك وتكثيرا لمعجزاتك وتنبيها وتذكيرا للمستبصرين من أمتك. (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) كتابا مشتملا على هذه الأقاصيص والأخبار حقيقا بالتفكر والاعتبار ، والتنكير فيه للتعظيم. وقيل ذكرا جميلا وصيتا عظيما بين الناس.
(مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً)(١٠١)
(مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) عن الذكر الّذي هو القرآن الجامع لوجوه السعادة والنجاة وقيل عن الله. (فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) عقوبة ثقيلة فادحة على كفره ، وذنوبه سماها (وِزْراً) تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الّذي يفدح الحامل وينقض ظهره ، أو إثما عظيما.
(خالِدِينَ فِيهِ) في الوزر أو في حمله ، والجمع فيه والتوحيد في أعرض للحمل على المعنى واللفظ. (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) أي بئس لهم ففيه ضمير مبهم يفسره (حِمْلاً) ، والمخصوص بالذم محذوف أي ساء حملا وزرهم ، واللام في (لَهُمْ) للبيان كما في (هَيْتَ لَكَ) ولو جعلت (ساءَ) بمعنى أحزن والضمير الّذي فيه للوزر أشكل أمر اللام ونصب (حِمْلاً) ولم يفد مزيد معنى.
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً)(١٠٢)
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) وقرأ أبو عمرو بالنون على إسناد النفخ إلى الآمر به تعظيما له أو للنافخ. وقرئ بالياء المفتوحة على أن فيه ضمير الله أو ضمير إسرافيل وإن لم يجر ذكره لأنه المشهور بذلك ، وقرئ «في الصور» وهو جمع صورة وقد سبق بيان ذلك (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ) وقرئ «ويحشر المجرمون» (زُرْقاً) زرق العيون وصفوا بذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب ، لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم وهم زرق العين ولذلك قالوا في صفة العدو : أسود الكيد ، أصهب السبال ، أزرق العين أو عميا ، فإن حدقة الأعمى تزراق.
(يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً)(١٠٤)
(يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ) يخفضون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرعب والهول والخفت خفض الصوت وإخفاؤه. (إِنْ) ما (لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) أي في الدنيا يستقصرون مدة لبثهم فيها لزوالها ، أو لاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد وعلموا أنهم استحقوها على إضاعتها في قضاء الأوطار واتباع الشهوات ، أو في القبر لقوله (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) إلى آخر الآيات.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) وهو مدة لبثهم. (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أعدلهم رأيا أو عملا. (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) استرجاح لقول من يكون أشد ثقالا منهم.