(أَلَّا تَتَّبِعَنِ) أن تتبعني في الغضب لله والمقاتلة مع من كفر به ، أو أن تأتي عقبي وتلحقني و «لا» مزيدة كما في قوله (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ). (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) بالصلابة في الدين والمحاماة عليه.
(قالَ يَا بْنَ أُمَ) خص الأم استعطافا وترقيقا ، وقيل لأنه كان أخاه من الأم والجمهور على أنهما كانا من أب وأم. (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) أي بشعر رأسي قبض عليهما يجره إليه من شدة غيظه وفرط غضبه لله ، وكان عليه الصلاة والسلام حديدا خشنا متصلبا في كل شيء فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل. (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) لو قاتلت أو فارقت بعضهم ببعض. (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) حين قلت (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) فإن الإصلاح كان في حفظ الدهماء والمداراة لهم إلى أن ترجع إليهم فتتدارك الأمر برأيك.
(قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)(٩٦)
(قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ) أي ثم أقبل عليه وقال له منكرا ما خطبك أي ما طلبك له وما الّذي حملك عليه ، وهو مصدر خطب الشيء إذا طلبه.
(قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب أي علمت بما لم تعلموه وفطنت لما لم تفطنوا له ، وهو أن الرسول الّذي جاءك روحاني لا يمس أثره شيئا إلا أحياه ، أو رأيت ما لم تروه وهو أن جبريل عليه الصلاة والسلام جاءك على فرس الحياة. وقيل إنما عرفه لأن أمه ألقته حين ولدته خوفا من فرعون وكان جبريل يغذوه حتى استقل. (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) من تربة موطئه والقبضة المرة من القبض فأطلق على المقبوض كضرب الأمير ، وقرئ بالصاد والأول للأخذ بجميع الكف والثاني للأخذ بأطراف الأصابع ونحوهما الخضم والقضم ، والرسول جبريل عليه الصلاة والسلام ولعله لم يسمه لأنه لم يعرف أنه جبريل أو أراد أن ينبه على الوقت وهو حين أرسل إليه ليذهب به إلى الطور. (فَنَبَذْتُها) في الحلي المذاب أو في جوف العجل حتى حيي. (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) زينته وحسنته لي.
(قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً)(٩٧)
(قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) عقوبة على ما فعلت. (أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) خوفا من أن يمسك أحد فتأخذك الحمى ومن مسك فتتحامى الناس ويتحاموك وتكون طريدا وحيدا كالوحش النافر ، وقرئ «لا مساس» كفجار وهو علم للمسة. (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً) في الآخرة. (لَنْ تُخْلَفَهُ) لن يخلفكه الله وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا ، وقرأ ابن كثير والبصريان بكسر اللام أي لن تخلف الواعد إياه وسيأتيك لا محالة ، فحذف المفعول الأول لأن المقصود هو الموعد ويجوز أن يكون من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا ، وقرئ بالنون على حكاية قول الله. (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) ظللت على عبادته مقيما فحذف اللام الأولى تخفيفا ، وقرئ بكسر الظاء على نقل حركة اللام إليها. (لَنُحَرِّقَنَّهُ) أي بالنار ويؤيده قراءة (لَنُحَرِّقَنَّهُ) ، أو بالمبرد على أنه مبالغة في حرق إذ برد بالمبرد ويعضده قراءة (لَنُحَرِّقَنَّهُ). (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ) ثم لنذرينه رمادا أو مبرودا وقرئ بضم السين. (فِي الْيَمِّ نَسْفاً) فلا يصادف منه شيء والمقصود من ذلك زيادة عقوبته وإظهار غباوة المفتتنين به لمن له أدنى نظر.
(إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٩٨).