بعبادة ما هو مثل في الغباوة. (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) وعدكم إياي بالثبات على الإيمان بالله والقيام على ما أمرتكم به ، وقيل هو من أخلفت وعده إذا وجدت الخلف فيه ، أي فوجدتم الخلف في وعدي لكم بالعود بعد الأربعين ، وهو لا يناسب الترتيب على الترديد ولا على الشق الّذي يليه ولا جوابهم له.
(قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ(٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً)(٨٩)
(قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) بأن ملكنا أمرنا إذ لو خلينا وأمرنا ولم يسول لنا السامري لما أخلفناه ، وقرأ نافع وعاصم (بِمَلْكِنا) بالفتح وحمزة والكسائي بالضم وثلاثتها في الأصل لغات في مصدر ملكت الشيء. (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) حملنا أحمالا من حلي القبط الّتي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس. وقيل استعاروا لعيد كان لهم ، ثم لم يردوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به ، وقيل : هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه ولعلهم سموها أوزارا لأنها آثام ، فإن الغنائم لم تكن تحل بعد أو لأنهم كانوا مستأمنين وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي. (فَقَذَفْناها) أي في النار. (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) أي ما كان معه منها. روي أنهم لما حسبوا أن العدة قد كملت قال لهم السامري: إنما أخلف موسى ميعادكم لما معكم من حلي القوم وهو حرام عليكم ، فالرأي أن نحفر حفيرة ونسجر فيها نارا ونقذف كل ما معنا فيها ففعلوا. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر وروح (حُمِّلْنا) بالفتح والتخفيف.
(فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً) من تلك الحلي المذابة. (لَهُ خُوارٌ) صوت العجل. (فَقالُوا) يعني السامري ومن افتتن به أول ما رآه. (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) أي فنسيه موسى وذهب يطلبه عند الطور ، أو فنسي السامري أي ترك ما كان عليه من إظهار الإيمان.
(أَفَلا يَرَوْنَ) أفلا يعلمون. (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) أنه لا يرجع إليهم كلاما ولا يرد عليهم جوابا. وقرئ (يَرْجِعُ) بالنصب وفيه ضعف لأن أن الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين. (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ولا يقدر على إنفاعهم وإضرارهم.
(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)(٩١)
(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) من قبل رجوع موسى عليه الصلاة والسلام ، أو قول السامري كأنه أول ما وقع عليه بصره حين طلع من الحفرة توهم ذلك وبادر تحذيرهم. (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) بالعجل. (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) لا غيره. (فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) في الثبات على الدين.
(قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ) على العجل وعبادته. (عاكِفِينَ) مقيمين. (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) وهذا الجواب يؤيد الوجه الأول.
(قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)(٩٤)
(قالَ يا هارُونُ) أي قال له موسى حين رجع. (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) بعبادة العجل.