(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى(٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(٨٢)
(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) لذائذه أو حلالاته ، وقرأ حمزة والكسائي «أنجيتكم» «وواعدتكم» و «ما رزقتكم» على التاء. وقرئ «ووعدتكم» «ووعدناكم» ، والأيمن بالجر على الجوار مثل : جحر ضب خرب. (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدي لما حد الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق. (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) فيلزمكم عذابي ويجب لكم من حل الدين إذا وجب أداؤه. (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) فقد تردى وهلك ، وقيل وقع في الهاوية ، وقرأ الكسائي «يحل» و (يَحْلِلْ) بالضم من حل يحل إذا نزل.
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) عن الشرك. (وَآمَنَ) بما يجب الإيمان به. (وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ثم استقام على الهدى المذكور.
(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى)(٨٤)
(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة في نفسها انضم إليها إغفال القوم وإيهام التعظم عليهم فلذلك أجاب موسى عن الأمرين وقدم جواب الإنكار لأنه أهم.
(قالَ) موسى. (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) أي ما تقدمتهم إلا بخطا يسيرة لا يعتد بها عادة وليس بيني وبينهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضا. (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) فإن المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بعهدك توجب مرضاتك.
(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي)(٨٦)
(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم وهم الذين خلفهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفا. (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) باتخاذ العجل والدعاء إلى عبادته ، وقرئ «وأضلّهم» أي أشدهم ضلالا لأنه كان ضالا مضلا ، وإن صح أنهم أقاموا على الدين بعد ذهابه عشرين ليلة وحسبوها بأيامها أربعين وقالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل ، وإن هذا الخطاب كان له عند مقدمه إذ ليس في الآية ما يدل عليه كان ذلك إخبارا من الله له عن المترقب بلفظ الواقع على عادته ، فإن أصل وقوع الشيء أن يكون في علمه ومقتضى مشيئته ، و (السَّامِرِيُ) منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. وقيل كان علجا من كرمان. وقيل من أهل باجرما واسمه موسى بن ظفر وكان منافقا.
(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة (غَضْبانَ) عليهم. (أَسِفاً) حزينا بما فعلوا. (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) وبأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور. (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي الزمان يعني زمان مفارقته لهم. (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ) يجب عليكم. (غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ)