عامر وأبو بكر على التوحيد فيهما اكتفاء باسم الجنس عن الجمع ، وقرئ بإفراد أحدهما وجمع الآخر. (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) وهو صورة البدن أو الروح أو القوى بنفخة فيه أو المجموع ، و (ثُمَ) لما بين الخلقين من التفاوت ، واحتج به أبو حنيفة على أن من غصب بيضة أفرخت عنده لزمه ضمان البيضة لا الفرخ لأنه خلق آخر. (فَتَبارَكَ اللهُ) فتعالى شأنه في قدرته وحكمته. (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) المقدرين تقديرا فحذف المميز لدلالة (الْخالِقِينَ) عليه.
(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) لصائرون إلى الموت لا محالة ، ولذلك ذكر النعت الّذي للثبوت دون اسم الفاعل وقد قرئ به.
(ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) للمحاسبة والمجازاة.
(وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ)(١٧)
(وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) سموات لأنها طورق بعضها فوق بعض مطارقة النعل بالنعل وكل ما فوقه مثله فهو طريقه ، أو لأنها طرق الملائكة أو الكواكب فيها مسيرها. (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ) عن ذلك المخلوق الّذي هو السموات أو عن جميع المخلوقات. (غافِلِينَ) مهملين أمرها بل نحفظها عن الزوال والاختلال وتدبر أمرها حتى تبلغ منتهى ما قدر لها من الكمال حسبما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة.
(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ)(١٩)
(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) بتقدير يكثر نفعه ويقل ضرره ، أو بمقدار ما علمنا من صلاحهم.
(فَأَسْكَنَّاهُ) فجعلناه ثابتا مستقرا. (فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ) على إزالته بالإفساد أو التصعيد أو التعميق بحيث يتعذر استنباطه. (لَقادِرُونَ) كما كنا قادرين على إنزاله ، وفي تنكير (ذَهابٍ) إيماء إلى كثرة طرقه ومبالغة في الإيعاد به ولذلك جعل أبلغ من قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ).
(فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ) بالماء. (جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها) في الجنات. (فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) تتفكهون بها. (وَمِنْها) ومن الجنات ثمارها وزروعها. (تَأْكُلُونَ) تغذيا أو ترتزقون وتحصلون معايشكم من قولهم : فلان يأكل من حرفته ، ويجوز أن يكون الضميران لل (نَخِيلٍ) وال (أَعْنابٍ) أي لكم في ثمراتها أنواع من الفواكه الرطب والعنب والتمر والزبيب والعصير والدبس وغير ذلك وطعام تأكلونه.
(وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ)(٢٠)
(وَشَجَرَةً) عطف على (جَنَّاتٍ) وقرئت بالرفع على الابتداء أي : ومما أنشأنا لكم به شجرة. (تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) جبل موسى عليهالسلام بين مصر وأيلة ، وقيل بفلسطين وقد يقال له طور سينين ولا يخلو من أن يكون الطور للجبل وسيناء اسم بقعة أضيف إليها ، أو المركب منهما علم له كإمرئ القيس ومنع صرفه للتعريف والعجمة أو التأنيث على تأويل البقعة لا للألف لأنه فيعال كديماس من السيناء بالمد وهو الرفعة ، أو بالقصر وهو النور أو ملحق بفعلال كعلباء من السين إذ لا فعلاء بألف التأنيث بخلاف (سَيْناءَ) على قراءة الكوفيين والشامي ويعقوب فإنه فيعال ككيسان أو فعلاء كصحراء لا فعلال إذ ليس في كلامهم ، وقرئ بالكسر والقصر. (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أي تنبت ملتبسا بالدهن ومستصحبا له ، ويجوز أن تكون الباء صلة معدية ل (تَنْبُتُ) كما في قولك : ذهبت بزيد ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب في رواية تنبت وهو إما من أنبت بمعنى