نبت كقول زهير :
رأيت ذوي الحاجات عند بيوتهم |
|
قطينا لهم حتّى أنبت البقل |
أو على تقدير (تَنْبُتُ) زيتونها ملتبسا بالدهن ، وقرئ على البناء للمفعول وهو كالأول وتثمر بالدهن وتخرج بالدهن وتخرج الدهن وتنبت بالدهان. (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) معطوف على الدهن جار على إعرابه عطف أحد وصفي الشيء على الآخر أي : تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنا يدهن به ويسرج منه وكونه إداما يصبغ فيه الخبز أي : يغمس فيه للائتدام ، وقرئ «وصباغ» كدباغ في دبغ.
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ)(٢٢)
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) تعتبرون بحالها وتستدلون بها. (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) من الألبان أو من العلف ، فإن اللبن يتكون منه فمن للتبعيض أو للابتداء ، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب (نُسْقِيكُمْ) بفتح النون. (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) في ظهورها وأصوافها وشعورها. (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) فتنتفعون بأعيانها.
(وَعَلَيْها) وعلى الأنعام فإن منها ما يحمل عليه كالإبل والبقر ، وقيل المراد الإبل لأنها هي المحمول عليها عندهم والمناسب للفلك فإنها سفائن البر قال ذو الرمة :
سفينة بر تحت خدّي زمامها فيكون الضمير فيه كالضمير في (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ). (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) في البر والبحر.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ)(٢٥)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) إلى آخر القصص مسوق لبيان كفران الناس ما عدد عليهم من النعم المتلاحقة وما حاق بهم من زوالها. (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) استئناف لتعليل الأمر بالعبادة ، وقرأ الكسائي (غَيْرُهُ) بالجر على اللفظ. (أَفَلا تَتَّقُونَ) أفلا تخافون أن يزيل عنكم نعمه فيهلككم ويعذبكم برفضكم عبادته إلى عبادة غيره وكفرانكم نعمه الّتي لا تحصونها.
(فَقالَ الْمَلَأُ) الأشراف. (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) لعوامهم. (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) أن يطلب الفضل عليكم ويسودكم. (وَلَوْ شاءَ اللهُ) أن يرسل رسولا. (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) رسلا. (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) يعنون نوحا عليهالسلام أي ما سمعنا به أنه نبي ، أو ما كلمهم به من الحث على عبادة الله سبحانه وتعالى ونفي إله غيره ، أو من دعوى النبوة وذلك إما لفرط عنادهم أو لأنهم كانوا في فترة متطاولة.
(إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أي جنون ولأجله يقول ذلك (فَتَرَبَّصُوا بِهِ) فاحتملوه وانتظروا. (حَتَّى حِينٍ) لعله يفيق من جنونه.
(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)(٢٧).